منذ شباط (فبراير) الماضي ونحن نشهد الحرب في أوكرانيا وما تفرضه من تداعيات معاكسة إضافية على الاقتصاد العالمي. وكانت القضية محل نقاش، حيث أعدنا التأكيد على مواقفنا الوطنية التي سبق أعربنا عنها في منابر أخرى، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والجمعية العامة للأمم المتحدة التي شجبت بأشد العبارات عدوان الاتحاد الروسي على أوكرانيا، وطالبته بالانسحاب الكامل غير المشروط من الأراضي الأوكرانية بموجب القرار رقم ES-11/1 الصادر في الثاني آذار (مارس) 2022 بأغلبية الأصوات "بموافقة 141 عضوا، ورفض خمسة أعضاء، وامتناع 35 عضوا عن التصويت، وغياب 12 عضوا". وأدان معظم الأعضاء بشدة الحرب في أوكرانيا، وأكدوا وطأة المعاناة الإنسانية الناجمة عن تلك الحرب التي تضاعف مواطن الهشاشة الحالية في الاقتصاد العالمي - تقييد النمو، وزيادة التضخم، وانقطاعات سلاسل الإمداد، وتفاقم انعدام أمن الغذاء والطاقة، وتصاعد المخاطر المهددة للاستقرار المالي. وطرحت آراء أخرى وتقييمات مختلفة حول الوضع الراهن والعقوبات المفروضة. وإذ نقر بأن اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية ليست منبرا لحل القضايا الأمنية، فإننا ندرك ما لهذه القضايا من تبعات ملموسة على الاقتصاد العالمي. ومن الضروري الالتزام بالقانون الدولي والنظام متعدد الأطراف الذي يحمي السلام والاستقرار. ويتضمن ذلك الدفاع عن جميع المقاصد والمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة والتقيد بالقانون الدولي الإنساني، بما فيه حماية المدنيين والبنية التحتية في النزاعات المسلحة. ولا يجوز استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها. ومن الضروري اللجوء إلى الحل السلمي للنزاعات، وبذل الجهود للتصدي للأزمات، والاستعانة بالدبلوماسية والحوار. فعصرنا هذا يجب ألا يكون عصر حرب. ونتعاطف بعمق مع شعبي تركيا وسورية لما شهداه من خسائر فادحة في الأرواح ودمار واسع النطاق نتيجة الزلازل المدمرة في فبراير 2023، وشعوب ملاوي وموزامبيق ومدغشقر التي عانت دمارا وخسائر في الأرواح إثر إعصار فريدي المداري في فبراير ومارس 2023. وتتنامى حالة عدم اليقين التي تكتنف الآفاق العالمية. لكن الاقتصاد العالمي أثبت حتى الآن صلابة حالت دون تحقق النتائج الاقتصادية الكلية الأسوأ التي سبق توقعها خلال فصل الخريف. غير أن آفاق النمو لا تزال واهنة، وازدادت مخاطر التطورات السلبية. كما اتضح من الضغوط الأخيرة التي شهدتها الأسواق المالية والمصرفية، باتت حالة التعافي والاستقرار المالي الكلي ترزح تحت وطأة صدمات متتالية، بما فيها حرب روسيا ضد أوكرانيا، اقترنت بتشديد موقف السياسات النقدية لكبح جماح التضخم. وتراجعت معدلات التضخم إلى حد ما، لكن الضغوط السعرية الأساسية لا تزال مستمرة. وتصاعدت مواطن الضعف في هيكل الدين، مع استمرار انعدام أمن الغذاء والطاقة، وكانت الدول والفئات الضعيفة هي الأكثر تضررا على الإطلاق. علاوة على ذلك، يتزايد انعدام المساواة، وتشتد وطأة الصدمات المناخية، ويتنامى خطر التفكك الجغرافي - الاقتصادي. وفي ظل أجواء عدم اليقين التي تكتنف البيئة العالمية، بات من الضروري تنفيذ سياسات حاسمة ومرنة، على أن تتم معايرتها بدقة حسب ظروف كل بلد لترسيخ جذور التعافي المستدام وحماية الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي العالمي ودعم الفئات الضعيفة وتعزيز الصلابة. واتخذ صناع السياسات إجراءات عاجلة لتعزيز الثقة بالجهاز المصرفي الذي لا يزال يتسم بالسلامة والصلابة بدعم من الإصلاحات التي تلت الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009. وتتمثل أولوياتنا في الحد من التضخم، والحفاظ على الاستقرار المالي، وإعادة بناء هوامش الأمان المالي مع تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الأكثر ضعفا وتعزيز النمو الاحتوائي على المدى الطويل. وتواصل البنوك المركزية التزامها القوي بتحقيق استقرار الأسعار وضمان ثبات توقعات التضخم اتساقا مع الدور المنوط بها، مع المعايرة الدقيقة لوتيرة التشديد في ضوء البيانات المتاحة، والإفصاح بوضوح عن أهداف سياساتها... يتبع.
مشاركة :