في اجتماع يضم عدداً من الموظفين والموظفات في أحد أقسام مستشفى كبير ومهم يعاني من ضغوط عمل نتيجة نقص شديد في كوادره الفنية والطبية بسبب تسرب أعداد كبيرة منهم بعد قرار بتجميد الترقيات والرواتب، كان المدير العام للقسم يحث العاملين على بذل جهود مضاعفة استعداداً لخوض غمار اختبارات التقييم وإجراءات التفتيش التي يقوم بها خبراء منظمة الاعتماد التي سيخضع لها أداء القسم دون تقديم العون اللازم لهم وتسديد العجز من الأخصائيين والفنيين، وتهيئة البيئة الصحية ليتمكنوا من إنجاز العمل بروح عالية. إن المدير الذي يدفع بمزيد من الأعباء على موظفيه المرهقين ويصور لهم ذلك على أنه مواجهة للتحديات، مستخدماً أسلوب الإغراء والمديح الأجوف للوصول إلى أهدافه يعبر ربما من حيث لا يدري عن إدارة سيئة للعمل، وافتقاد للحس الإداري وحتى الإنساني. فعبارات التشجيع التي تأتي في سياق بعيد عن تفهم الظروف الصعبة التي يعمل فيها الموظف أو الموظفة، ودون إعطاء فرصة لإبداء الآراء والشكاوى والمقترحات، لن تؤثر ولن تدفع إلى الأمام، بل بالعكس ستؤدي إلى مزيد من الإحباط والشعور بالاستياء لافتقاد الهدف والأرضية المشتركة. قد يبرر المدير موقفه بأنه مجبر على الضغط على الموظفين لإنجاز المهام المسؤول عنها أمام مديره الأعلى لأنه ينفذ مايملى عليه، إلا أن تبريره غير مقبول، والمدير الذي يربح ثناء رئيسه وهو يغرق موظفيه بالأعمال والمسؤوليات لأن المهم عنده إنجاز العمل وليذهب الموظفون إلى الجحيم لا يدرك تبعات موقفه وقراراته! منظمات الاعتماد العالمية بكل برامجها ومعاييرها تهدف إلى تعزيز التميز في الخدمات والرعاية التي تقدمها الجهات التي تتعاقد معها، والرغبة في الحصول على الاعتماد أمر جيد ولكن ليس بدون استيفاء المتطلبات، والسعي لنيل الاعتماد وسيلة تدفعنا للإصلاح والتطوير وليس غاية نتوقف عندها ونتباهى بها دون اعتبار لحاجات العاملين، ومن ينشد الجودة عليه أن يمارسها قولاً وفعلاً، ولا قيمة للشهادة إذا كانت تؤخذ في ظروف عمل قاسية، كما أنه لايجوز الخلط هنا بين الضغوط والإجهاد وبين التحديات التي تعتبر شيئاً إيجابياً. الحرص على إرضاء الجهات الأعلى، أو السعي للحصول على أي مكاسب على حساب استنزاف راحة الموظفين والموظفات النفسية والبدنية وفي ظل نقص الإمكانات ثقافة متأصلة في بعض بيئات العمل التي تقدم خدمات مهمة وحساسة تتطلب توفير ظروف ملائمة لتحقيق الجودة والإنتاجية والسلامة للعاملين، بل هو نهج عام على كل المستويات، فهناك دائماً من يخفي الحقائق عن المسؤول ولا يسمعه إلا ما يحب إما عجزاً عن المواجهة وخوفاً منها، أو نفاقاً وطمعاً بمنفعة.
مشاركة :