إحدى قريباتي التي تعمل في المجال الطبي تشكو من تدخل بعض الرجال في الشؤون الصحية لقريباتهم المريضات، في وجودهن أو غيابهن، فتجد الرجل يشرح وضع المريضة ويحدد ما تحتاجه حتى وهي في حالة تمكنها من الكلام، ويتدخل في طريقة علاجها ويفرض رأيه وكأنها قاصر، وقد يتخذ قراراً بشأنها دون علمها لأنه يعتبر نفسه أدرى بمصلحتها. وأذكر أثناء عملي في التربية والتعليم تولي بعض الرجال مهمة التحدث بالنيابة عن قريباتهم عندما تواجههن مشكلات في العمل أو تكون لهن مطالب، فترى الواحد منهم يتقدم بشكوى لجهة عمل قريبته، ويأخذ على عاتقه مهمة الدفاع عنها وتوضيح قضيتها، ويهاجم من يراه متسبباً في المشكلة وكأن الموظفة غير مؤهلة للمطالبة بحقها إذا كان لها حق! وكنت أعجب من تهرب الموظفة من المواجهة وهي المفترض أنها الأقدر على التعبير عن نفسها باعتبارها صاحبة المشكلة وأدرى بالوضع والملابسات والخفايا وما ينفع ومالا ينفع، وكنت أستنكر معرفة قريبها بأمور وأحداث لايليق أن تطلعه عليها، وعندما كنت أسأل عن سبب تصدره الأمر وهو من خارج المؤسسة بينما هي المسؤولة أمام جهة عملها كانت الإجابة توحي بعدم ثقة في قدرتها على إنهاء المشكلة. وبغض النظر إذا كانت المرأة فوضته بالتحدث باسمها وعلى لسانها، أو هو من قرر ذلك فالموقف يدل على سلبيتها واتكاليتها وإضعافها لنفسها من جهة، وعدم احترامه المرأة وعقلها واستقلاليتها من جهة أخرى. لقد نالت المرأة قسطاً وافراً من التعليم، وخاضت ميدان العمل وتحملت مع الرجل أعباء الحياة والأسرة، ومع ذلك فإنها لا تتصرف بثقة أحياناً ولا تأخذ زمام المبادرة، وتلجأ إلى الآخرين لحل الإشكالات، وتذعن لقرارات تخصها شخصياً. هذا الوضع غير المقبول له من وجهة نظري عدة أوجه وتفسيرات منها: - التمسك بمبدأ ولاية الأمر والتوسع فيه ليشمل أوضاعاً لا تنطبق عليه، وترى المرأة هنا أن الرجل أقوى وأقدر منها على معرفة الأنفع لها، وبالتالي له الحق في النيابة عنها في كل الأمور. - أسلوب التربية التي تلقتها والذي يجعلها مع الزمن تعتاد الاعتماد على الرجل عند مواجهة أي صعوبة خارج المنزل. - اعتقاد الرجل أن المرأة بعاطفيتها لا تستطيع التعامل بقوة وعقلانية مع المشكلات، ولابد من التدخل. - ربما تجد المرأة في تبني الرجل مشكلتها اهتماماً بها، وتشعر من خلال ذلك بمكانتها عنده. إن المسألة باعتقادي تتعلق بتأكيد الذات، فحين يصر الإنسان على ما يؤمن به ويعتبره حقاً له يستطيع التعبير عن نفسه وإرادته بأسلوب يظهر تقديره لنفسه، وبالمقابل فإن ثقة الرجل في قدرات المرأة وتشجيعه لها على استقلالية التفكير والقرار سينعكس إيجابياً على الأسرة والمجتمع سواء كانت موظفة أو ربة بيت. أليست في النهاية هي المؤتمنة على البيت والأبناء؟
مشاركة :