كيف غفلنا عن موجة التضخم العاتية؟ «3 من 3»

  • 5/16/2023
  • 00:11
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إن السائق كلما زاد من سرعة السيارة، زاد احتمال أن يضيق مجال الرؤية أمامه، ما يحجب المخاطر على امتداد الطريق. ومن السمات المميزة لاستجابة السياسات إزاء الجائحة في 2020 هي حدة التحفيز المالي، الذي ارتأى بعض المراقبين أنه يشبه الإنفاق في فترات الحروب. والمهم أن هذا التحفيز كان جزءا من معلومات القائمين بالتنبؤ في ذلك الوقت. ويظهر تحليلنا أن حجم حزم التحفيز المالي لمواجهة جائحة كوفيد - 19 التي أعلنتها حكومات مختلفة في 2020، ترتبط ارتباطا موجبا بأخطاء التنبؤ بالتضخم الأساسي في الاقتصادات المتقدمة في 2021. وبينما ينم هذا عن أن القائمين بالتنبؤ ربما لم يجروا معايرة كافية لتنبؤاتهم بحيث تأخذ في الحسبان الآثار المحتملة للتدخل المالي الكبير، فإن الحذر واجب عند تفسير الأدلة. أولا، إن علاقة الارتباط الموجبة ترجع في الأساس إلى أستراليا وكندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ـ والاقتصادات نفسها التي تتسم أسواق العمل فيها بنقص كبير في المعروض منذ بدء الجائحة. ثانيا، إن نظرة أعمق في البيانات ترجح تفسير أخطاء التنبؤ بأنها ناتجة عن سوء تقدير لشدة نقص المعروض، بما في ذلك معروض أسواق العمل، أكثر من كونها ناتجة عن تقدير منقوص لأثر سياسة المالية العامة في انتعاش النشاط الاقتصادي. وبشأن مفاضلات السياسات فإنه في 2020، كان الاقتصار على جرعة ضئيلة من التحفيز المالي من شأنه تعريض الاقتصاد لمخاطر الندوب طويلة الأمد. غير أن الإفراط في هذه الجرعة أيضا عرض الاقتصاد لمخاطر المبالغة في التحفيز المالي وإطلاق شرارة التضخم. وإزاء شدة انخفاض التضخم في الاقتصادات المتقدمة، ربما غابت المخاطرة الأخيرة عن الأنظار حيث عمد صناع السياسات في كبرى هذه الاقتصادات إلى تركيز جهودهم على إجراء تدخلات مالية هائلة. وواجه القائمون بالتنبؤ أيضا قدرا هائلا من عدم اليقين. فكان عليهم مجابهة الديناميكيات المتغيرة في أسواق السلع والعمل إلى جانب البيانات الاقتصادية التي يصعب تحليلها بصورة آنية. وأدى هذا إلى تعقيد الآفاق الاقتصادية بدرجة لا يستهان بها. وتشير الأدلة إلى أن التحفيز المالي الكبير كان ينبغي أن يجعل احتمال ارتفاع التضخم عن المستويات المتوقعة في الكفة الأرجح من ميزان المخاطر التضخمية. غير أن هذا الاستنتاج يتوقف على النتائج في اقتصادات قليلة العدد، وإن كانت كبيرة الحجم. وفيما بعد، ينبغي إدماج تأثير سياسة المالية العامة بشكل أفضل في الآفاق المتوقعة للتضخم، خاصة في بيئة تؤدي فيها قيود العرض إلى تعظيم أثر الطلب الزائد على التضخم. وكان يمكن إسداء المشورة لصناع السياسات بأن يخفضوا سرعة إجراءاتهم المالية إلى حد ما في 2020، تجنبا للخطر الذي كان يلوح في الأفق آنذاك. غير أن هذا يظل تقييما جزئيا وحسب. فليس بإمكاننا قياس مدى ملاءمة إجراءات السياسة التي وقع الاختيار عليها في ذلك الحين إلا عبر مقارنتها بسيناريو الندوب العميقة المغاير للواقع.

مشاركة :