الميزانية وأوهام الإسكان - د. مشاري بن عبدالله النعيم

  • 12/28/2013
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لم أستغرب أبداً عندما حاولت زيارة وزارة الإسكان أن أجد صعوبة في دخول الوزارة، ولأقل أن الوصول لمجلس الوزراء أسهل من دخول هذه الوزارة المحصنة، فليس لك الحق أن تقتحم خلوة الموظفين فيها دون موعد سابق، وبالطبع الحصول على موعد مستحيل. أما الغريب فهو قول وزير الاسكان لي شخصياً قبل سنوات عندما كتبت مقالاً أنتقد فيه سياسة الإسكان في المملكة بأنه كان من المفترض أن أقوم بزيارة مؤسسته والاطلاع على ما يجري فيها قبل أن أكتب عنها، يا معالي الوزير كيف نستطيع أن نعرف ماذا يحدث في وزارتكم وأنتم تعيشون في "بروج مشيدة" وكيف للمواطن البسيط أن يعرف ما له وما عليه وأنتم تغلقون على أنفسكم ألف باب. لابد أن أقول هنا إنني على قناعة أن هذه الوزارة لن تستطيع تحقيق سياسة الدولة الإسكانية، حتى أنني صرت أتوقف عند تصريحات الوزير "الهوليودية" المثيرة كل مرة وأقول لعل وعسى لكنني أصاب بخيبة أمل من النتائج، والسنوات تمر بسرعة وكل "ميزانية" تمر لا نجد شيئاً ونرى عقود استشارات بمليارات والناس حتى الآن لم يسكنوا. قبل أيام وقع بين يدي صورة للمشاريع التي قامت الوزارة بترسيتها في ميزانية العام الفائت (2013) منها عقد بمليار و16 مليون لإعداد الدراسات والتصاميم والاشراف على مشاريع البنية التحتية لمواقع الاسكان في منطقة واحدة (من أصغر المناطق في المملكة)، وعقد آخر ب 768 مليون ريال لإعداد الدراسات والتصاميم على مشاريع الوزارة بالقطاع الأوسط، أما العقد الثالث فقيمته 781 مليون ريال لإعداد الدراسات والاشراف على مشاريع القطاع الشرقي، وسأكتفي بهذه العقود الثلاثة لأنه يوجد عقود تعتبر صغيرة بالنسبة لهذه المبالغ الضخمة التي تصرفها الوزارة على الدراسات دون نتائج حتى هذه اللحظة. وبالطبع يجب ألا ننسى العقد السابق مع أحد الشركات العالمية والذي قارب المليار ونصف المليار. بحسبة بسيطة زادت عقود الدراسات التي وقعتها الوزارة عن الأربعة مليارات ريال وهي تقارب ميزانية أحد مؤسسات الدولة المهمة (التي لها 15 فرعاً في المملكة وتعمل في قطاع تنموي مهم) لمدة خمسة أعوام، والمصيبة أنه لا توجد أي نتائج لهذه الدراسات حتى الآن ولم يسكن أي مواطن في مساكن الوزارة حتى اليوم. سؤالي هو لماذا هذه العقود الضخمة من أجل اعداد دراسات لمساكن، فعلى حد علمي نحن لا نريد أن نبني للمواطنين "مساكن نووية" ولم نطالب أن توفر الدولة لكل مواطن "مسكناً ذكياً"، بل إنه حتى طلائع مشاريع الاسكان تعاني من مشاكل تصميمية وتقنية فادحة تجعلها غير صالحة للسكن في بعض الأحيان، فلماذا هذه المليارات التي يتم صرفها على الدراسات (وهي تبني أربع مدن جامعية) بينما يفترض أن تعدها الوزارة في بيتها الداخلي وربما بالاتفاق مع الجامعات المحلية في مناطق المملكة. لو أن الوزارة أسست مركزاً لدراسات الاسكان مع الجامعات المحلية الكبرى في المناطق لكان لهذه المليارات جدوى بعيدة المدى ولخرجت الوزارة بدراسات وبفرق عمل وبتوطين للخبرة، لكنها الميزانيات الضخمة والمفتوحة التي أتاحتها الدولة للوزارة التي تغري بالتبديد وعدم الاكتراث بالنتائج وتأثيرها. مشاريع الاسكان لا تحتاج إلى اختراع العجلة من جديد ولا تتطلب دراسات بمليارات الريالات لكنها تحتاج إلى ارتباط عميق بالمؤسسات الاجتماعية والعلمية في كل مناطق المملكة وليس العمل بشكل منفرد ومنغلق كما تقوم به وزارة الاسكان حالياً. كما أنه يفترض أن يكون هناك ارتباط بين التنمية العمرانية ومشاريع الاسكان وعلى حد علمي لا يوجد هذا الارتباط فكل يغني على ليلاه، وربما المشروع الوحيد الذي سمعت أنه يوجد نوع من التنسيق فيه هو تطوير وسط الرياض حيث يفترض أن تقوم وزارة الاسكان بتطوير مجموعة من الاحياء السكنية وسط المدينة كنوع من إعادة التطوير الحضري. كما أنني سمعت أن الوزارة حصلت مؤخرا على 80 مليون متر مربع من الاراضي في كل مناطق المملكة، لكنني لا أعلم إن كانت سياسة الاسكان وضعت علاقة العمل بالسكن في حسابها كما تفعل كل دول العالم، أم أن الوزارة تريد أن تغلق أفواه الناس وتعمل مشاريع إسكانية كيفما اتفق حتى لو لم يسكنها أحد. بعض التصريحات التي أسمعها أحياناً ولست متأكداً من صحتها هي أن وزارة الاسكان سوف تتبنى سياسة الاقراض من جديد وسوف توفر قروضاً فورية بمبلغ 500 ألف ريال وسوف تربط هذا القرض بالرهن العقاري بحيث يستطيع المواطن الحصول على تمويل إضافي قدره مليون ريال، وأعتقد أن هذه الآلية في الوقت الراهن مناسبة لو اتبعتها الوزارة خصوصاً في ظل هذا العجز الواضح في القدرة على إنهاء المشاريع وغياب آلية واضحة تضمن التوزيع العادل للمساكن وعدم وجود إحصاءات واضحة لدى الوزارة للمستحقين. ربما تكون سياسة الإقراض "مجربة" وأثبتت جدواها وهي أكثر السياسات التي يمكن أن تتفاعل مع حاجة المواطنين خصوصاً إذا ما نظمت بشكل جيد وارتبط بمشاريع إسكان ينفذها القطاع الخاص بمواصفات تحددها الوزارة ولا يتم الإقراض إلا بعد أن تتأكد الوزارة من مطابقة هذه المشاريع لمواصفاتها. طبعاً أنا أتحدث عن أحلام، لأن الوزارة لم تفكر في هذه القضايا ولن تفكر فيها فهي ماضية في طريقها مهما كلف الأمر. أقول لكم، على المستوى الشخصي، أنا لست متفائلاً بأن الوزارة لديها رؤية واضحة من أجل حل مشكلة تنموية واجتماعية خطيرة تعاني منها بلادنا، فالسنوات تمر والمشكلة تتفاقم وما كان يمكن أن تقوم به الوزارة قبل ثلاثة أعوام لم يعد ممكناً اليوم ولن يكون فاعلاً مع تصاعد المشكلة ودون شك لن يكون مقبولاً العام القادم. نحن نستبشر بهذه الميزانية غير المسبوقة في تاريخ بلادنا لكننا نضع أيدينا على قلوبنا لأننا نعلم أن الحل ليس فقط في توفر المال بل يجب أن يكون هناك رؤية وقبل ذلك رجال يؤمنون بأهمية تنفيذ هذه الرؤية من أجل خدمة وطنهم لا خدمة أنفسهم.

مشاركة :