ثقافة المواطن والإسكان - د. مشاري بن عبدالله النعيم

  • 10/31/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

بصرف النظر عما إذا كان وزير الإسكان قد ذكر أن سبب أزمة الإسكان هو ثقافة بعض المواطنين أم لم يقل، تظل هناك حقيقة واحدة ودائمة هي أن وزارة الإسكان لم تعرف كيف تتعامل مع مشكلة الإسكان التي تستفحل عاما بعد عام ويزداد الشق فيها اتساعا وفي كل الاتجاهات. فإذا كنا قبل ثلاثة أو أربعة أعوام، عندما أعلنت الدولة وضع ميزانية ال 250 مليار لحل المشكلة، أكثر قدرة واستعدادا للتعامل مع الإسكان ومشاكله كون الأزمة كانت في بدايتها، فإننا الآن وبعد مرور كل هذه السنوات أقل قدرة على حل المشكلة بعد أن تضاعف حجمها وزادت الطلبات على السكن إلى الضعف أو يزيد. تجارب الدول الأخرى تؤكد أن التعامل مع أزمة السكن يجب أن يكون آنيا وليس «تسويفيا» وإلا فإن حجم الطلب سوف يزداد ويصبح من الصعب تلبية احتياجات السكن تجارب الدول الأخرى تؤكد أن التعامل مع أزمة السكن يجب أن يكون آنيا وليس "تسويفيا" وإلا فإن حجم الطلب سوف يزداد ويصبح من الصعب تلبية احتياجات السكن. ومع ذلك دعونا نناقش المسألة بهدوء، لماذا لم تستطع وزارة الإسكان التعامل مع الأزمة وحلها في وقتها؟ وما العوائق التي واجهتها؟ وهل لمقولة الوزير الجديد التي أصبحت على كل لسان في وسائل التواصل الاجتماعي علاقة بالأمر؟ تحليلي الشخصي أن هناك أسبابا متعلقة بالوزارة نفسها وبهيكلها الإداري والفني وأسلوب تعاملها مع الأزمة، وهناك أسباب متعلقة بالوضع العام في المملكة من ناحية المناخ العقاري وتوفر الأراضي الخام المناسبة وسوق البناء بشكل عام، وأسبابا متعلقة بثقافة المواطن ومفهوم السكن لديه ومعايير "بيت العمر" الذي أصبح جزءا من الثقافة السائدة". هذه الأسباب مجتمعة هي التي صنعت الأزمة ومن الضروري مناقشة كل منها على حدة حتى نستطيع الوصول إلى حلول قد تساهم في التعامل مع هذه الأزمة التي أصبحت مثل الأسطوانة المشروخة التي تكرر ذاتها بشكل ممل. بالنسبة لإشكالية الوزارة، فهذا أمر أصبح واضحا لأنه وحتى هذه اللحظة لم تستكمل هذه المؤسسة أجهزتها الإدارية والفنية، ولم تطور آلية كي تفكك ثقافتها المركزية كي تعمل في مناطق المملكة بشكل مستقل، كما أنها لم تبن مركز دراسات سكنية أسوة بكثير من الدول حيث يشكل المسكن ثقافة متحولة وليس سلعة تباع وتشترى فقط، وهذه إشكالية بحد ذاتها لأن الوزارة ومنذ أن كانت هيئة للإسكان نظرت للمسكن بمنظور اقتصادي بحت وتعاملت معه كشيء مادي ما أفقد الوزارة القدرة على الوصول إلى احتياجات الناس الفعلية وفهم طبيعة الأسرة السعودية وثقافتها. يمكن أن أقول إن وزارة الإسكان "شيئت" السكن وتعاملت معه كشيء مجرد من الصبغة الاجتماعية المتغيرة، وحتى في هذا لم تنجح كثيرا لأنها لم تطور أجهزتها الفنية بشكل كفؤ. في اعتقادي أن هذا هو السبب الرئيس الذي نتجت عنه الأسباب الأخرى، فالقصور الإداري والفني وحتى المعرفي لدى أجهزة وزارة الإسكان هي التي صنعت الأزمة لأنها لم تتفهم العوامل الأخرى ولم تستطع أن تتعامل معها. إشكالية الوضع العام في المملكة من ناحية تنظيم سوق العقار وسوق البناء تظهر جلية في صعوبة توفر الأراضي الصالحة للسكن وارتفاع أسعار الأراضي والإيجارات وعدم توفر مقاولي البناء على مستوى المناطق مع غياب كامل لبرامج التمويل والإقراض المناسبة لدخل المواطن. كل هذه العوامل لم تتعامل معها الوزارة كمشكلة يجب حلها بل "سايرتها" ولم تقدم حلولا عملية تذكر لمواجهتها ولم تحاول أن تتبنى عددا من المقاولين، على سبيل المثال، في كل منطقة لمساعدتها في إيجاد حلول سريعة للبناء. كما أنها لم تتعامل مع العقاريين "كشركاء" في حل المشكلة فمرت السنوات دون تطوير حلول ذات قيمة بل صارت الوزارة تنتقل من خطة إلى أخرى وكلها خطط منفصلة عن الواقع. وطبعا آخر الحلول هي رسوم الأراضي البيضاء التي لن تحل المشكلة وإن كانت قد تساعد في حلها لكنها تحتاج إلى سنوات حتى تؤتي أكلها وستكون مشكلة السكن في ذلك الوقت قد تضاعفت وأصبحت أزمة تهدد الاستقرار الاجتماعي. ونأتي هنا على حزمة الأسباب الثالثة والأخيرة، وهي ثقافة المواطن ومفهوم السكن لديه، وأنا هنا لن أبرر قول الوزير لأني لا أعلم الظروف التي دعت الوزير لرمي الكرة في ملعب المواطن لكن مقولة الوزير فيها جزء من الصحة، فثقافة السكن لدينا هي جزء من المشكلة وإصرار المواطن على "البيت الكبير" في السنوات الفائته ساهم في وجود الأزمة، وتركيبة المسكن القائمة على الإسراف في مساحات الضيافة غير المستغلة بشكل مناسب ضاعفت من تكاليف السكن وقللت من فرص المواطن امتلاك سكن مناسب في سنوات كانت الفرصة متاحة لكثير من المواطنين وبتكاليف معقولة. ثقافة الأسرة السعودية غير بريئة بشكل كامل من أزمة السكن لكنها ليست هي السبب الفعلي، لأن الوزارة والهيئة قبلها لم تقوما بأي دراسات تذكر ولم تتبنيا حملة توعية ولم تحاولا أن تصنعا ثقافة جديدة للأسرة وهو ذنب تتحمل وزره الوزارة دون غيرها. هذه الحزم الثلاث هي المسببات التي تجعل من أزمة الإسكان مستمرة وربما صعبة الحل، لأن القضية "المؤسسية" مازالت تمثل إشكالية رئيسية فوزارة الإسكان كجهاز فاعل وخبير في قضايا الإسكان غير واضح المعالم ولم يتطور بالشكل المطلوب بعد، وهذا أمر يمكن التعامل معه إذا ما أرادت الوزارة ذلك ويمكن أن تبدأ بعقد شراكات مع الجامعات الإقليمية في مناطق المملكة المختلفة لإجراء دراسات سكنية واجتماعية في كل منطقة بشكل يخدم أهدافها. مشكلة وضع الأراضي وبرامج التمويل وسوق البناء، هذه تتطلب قرارات سياسية واقتصادية وبرامج قد تتطلب بعض الوقت لكنها ستحدث تحولا اقتصاديا كبيرا وهذا أمر مهم عادة ما يواكب برامج الإسكان الحكومي. تبقى المسألة الأخيرة وهي الثقافة السكنية للأسرة السعودية، وهذا أمر عميق جدا وقد أُجريت خلال العقود الأخيرة آلاف الدراسات والأبحاث في مختلف الثقافات حول العالم وجميع هذه الدراسات أكدت أن الإنسان عادة ما يتمثل نفسه ومكانته الاجتماعية في المسكن الذي يسكنه فهو يستخدم السكن كلغة غير منطوقة للتعبير عن وجاهته ودوره في المجتمع لذلك فإن التعامل مع الثقافة السكنية للأسرة يتطلب دراسات جادة وليس قرارات عشوائية مستعجلة. لعلي هنا أكرر أن على وزارة الإسكان أن تتغير على المستوى المؤسسي، إذا ما أرادت أن تصبح مؤسسة مفكرة وفاعلة، لا مجرد ادارة إجرائية بيروقراطية وحتى تستطيع أن تحدث الوزارة هذا التحول يجب عليها أن تتخلص من ارث ثقيل من التردد والتخبط وعدم وضع اليد على المشاكل الحقيقية التي ساهمت وتساهم في تفاقم أزمة السكن. هذا التحول يتطلب قرارا وعزيمة واختيار الكفاءات المناسبة وفتح الباب للشراكات مع المؤسسات الأكاديمية والمهنية في كافة مناطق المملكة لا غلق الأبواب وتحويل الوزارة إلى قلعة يصعب الوصول إليها. لمراسلة الكاتب: malnaim@alriyadh.net

مشاركة :