الجميلون روحا، وخلقا، وثقافة حكاياتهم تنتهي سريعا، ربما لأن حبهم يسكننا، أو لأنهم يعيشون بيننا كخيال عابر، أو حلم جميل الفصول، رشيق الطيف، حكايات الحب معهم ليست كحكايات من يتظاهرون باللطف، ويملؤون الدنيا نعيقا وصراخا. محمد البريدي ذاكرتنا كأقارب معه مليئة بالحب، فهو يعيش في كل زوايا حياتنا ليس ككاتب، ولا أديب، ولا حتى عملاق ثقافي فحسب، وإنما كإنسان، وأخ قريب مرهف الحس، متفائل يعلمنا أن للمطر رائحة تبعث الحب؛ لتخضر الأرض وتبهج العصافير لتعزف لحن الحياة، يعلمنا أن للزمن ذاكرة جميلة تستحق العودة لها، ونبشها، لنعيش زمنهم لعلنا نتعلم صفاء قلوبهم، وجمال نواياهم التي تحكمها العادة الجميلة، ويزينها الكفاح والصبر. أبو مازن يقتحم الصمت بنكتة تتبعها ابتسامة تضفي روحه الجميلة على المكان.. مجالسته تثريك فهو يحمل عقلا مختلفا، متنوعا، وسطيا، لا يستخف بالعقول والآراء، ولا يسفه الأحلام طالما حاولت الإفادة منه، لإيماني بأنه يملك قلبا يسع الجميع، ونضجا فكريا ينضح بالرؤية الثاقبة، قارئ يدفعك إلى الأمام بأن تكون مختلفا روحا، مختلفا قلما وطموحا. أبو مازن ما إن يشعر بحب أحد من أبناء أقاربه للقراءة، إلا ويدفع خطاه لأن يكون مختلفا عن مجايليه، لقناعته بأن الساحة الثقافية لا تحتمل نسخا أخرى من الديناصورات المحنطة ثقافيا. رحيل محمد أيقنت به عندما دخلت بيته، ورأيت كتبه، وشممت رائحة المكان الذي كان يملؤه بصوته العذب، رأيته في عيون المعزين، رأيته في عيني ابنه، وأصدقائه، انتهت تلك الحكاية التي قدرها الله له، انتهى وجوده الحسي بيننا، وسيبقى ذكرى تداعب خيالاتنا بعد أن كنا نستمتع بمجالسته، ونندهش من موسوعيته وحضوره الذهني السريع. أبا مازن بعد أن كنا نفخر بقربك ونتلمس جمالك، وروحك الشفيفة ها أنت تودعنا بجسدك، وتسكننا بروحك لأنك باق في عمق ذاكرتنا المترعة بالجمال سنقول وبكل فخر إنك عصامي رحل (والده) وهو لا يزال صغيرا فكان رجلا في عمر الطفولة. أبو مازن أبكيتنا برحيلك شامخا بعد أن رسمت لوحة باذخة الجمال بكل تفاصيلها، ضاربا أروع صورة في البر بـ"أمك" التي أهديتها روحك، وحياتك وتحاملت على مرضك حتى لحقت بها، لتعلمنا درسا في البر، والوفاء، والحب إلى جنة الخلد يا أبا مازن، سنختصر المسافة بيننا بالدعاء، فطبت حيا وميتا وجمعنا بك في جنة الفردوس.
مشاركة :