'روساريو' لخورخي فرانكو بين ألم الحب وألم الموت

  • 7/16/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

"تتلقى روساريو رصاصة من فوهة المسدس الملصقة بجسدها بينما هي تتلقى قبلة، فاختلط عليها ألم الحب وألم الموت، غير أنها قطعت الشك بالقين حين رفعت شفتيها ورأت المسدس" هكذا يستهل الروائي خورخي فرانكو روايته "روساريو"، هذه الرواية التي تكشف أبعاد وملامح الحياة الاجتماعية الفاسدة والقاسية في أواخر الثمانينيات - أوائل التسعينيات من القرن العشرين في كولومبيا، والتي تعيشها الأحياء الفقيرة في المجتمع الكولومبي في ظل عصابات تجار المخدرات. إنها رواية كاشفة لجيل من الشباب الكولومبي الذي تحول إلى العنف وذلك من خلال قصة فتاة جميلة تحولت إلى قاتل لا يرحم، يرويها أنطونيو العاشق الذي لم يعلن عن حبه إلا بنهاية الرواية، وبعد سرده لتفاصيل حياتها، إذ قال "قلت لك إني سوف أحبك أبدا"، "ولسوف أحبك أكثر من أي وقت مضى في كل ما يذكرني بك، في موسيقاك، في حيك، في كل كلمة نابية أسمعها، بل وفي كل رصاصة مدوية قاتلة". بينما روساريو معلقة بين الحب والموت في المستشفى، ليس هناك وهم بشأن نهاية سعيدة، ما نحصل عليه بدلاً من ذلك، قصة عشق غريب وغامض عاشه الراوي من طرف واحد معها مسترجعا بنقلات لافتة ماضي "روساريو" أو بالأحرى ما استطاع معرفته من ماضيها، وهي التي نشأت في مدينة ميديين حيث السلاح والجريمة والفقر، وقد اتخذت من المقص أداةً لتنفيذ كل جرائمها حتى غدا لصيقا باسمها. من أروقة المستشفى حيث تحارب روساريو من أجل حياتها، يعيد أنطونيو بناء صداقتهما، حبه غير المعلن لها. علاقة روساريو مع أعز أصدقائه إميليو، حيث يدخل أنطونيو وإميليو، المولودان لعائلات من الطبقة العليا، عالمها والعكس صحيح، لذا فإن الرواية أيضا تستكشف عالم الأثرياء والفقراء داخل المجتمع الكولومبي. روساريو التي يطلق عليه "روساريو المقص" تعرضت للإيذاء والاغتصاب في سن الثامنة من قبل زوج أمها. واغتصبها أحد الجيران وهي في سن 14، وعلى الرغم من أنها انتقمت لاحقًا منه بقطع خصيتيه بالمقص (ومن هنا جاء لقبها "المقص")، إلا أن جرح الاغتصاب حولها إلى قاتلة، ثم قاتلة وعاهرة من قبل شقيقها الأكبر الذي باعها إلى شركائه في تجارة المخدرات. روساريو التي أعلنت أنها لا تملك أحدًا، تعيش الحياة على حافة الهاوية بينما تحاول إصلاح ماضيها وعلاقة الرجال بحياتها، ولكنها لا تتخذ أفضل الخيارات في طريقها، إنها تارة تكون محبة وحنون، وتارة أخرى باردة وعديمة الرحمة، ولكن في النهاية تخيّب صورتها الأنثوية. يرسم خورخي فرانكو في روايته التي ترجمها مارك جمال وصدرت عن دار ممدوح عدوان بومضات سريعة ومكثفة ملامح شخصية عصية على التوقع، غامضة تقتل ضحاياها بدم بارد بينما تطبع على شفاههم قبلة الموت، وهو إذ يفعل ذلك، فإنه لا يكشف كل شيء، بل يستفز مخيلة القارئ داعيا إياه للمشاركة في إكمال اللوحة. يقول خورخي في حوار معه "أنني لا أكتب أبدًا وفقًا للنوع الأدبي"، موضحا "أستفيد من كل شيء، مما يظهر في الصحافة، ومما يظهر على الإنترنت، ومن الأشخاص الذين يعرفون الموضوعات التي أكتب عنها، أسافر دائمًا إلى الأماكن التي أرويها في قصصي، ألاحظ، وأحلل، وأدرك، وأتحدث مع الناس. أود أن أوضح أن البحث يساعدني في إعطائي الثقة في الموضوعات التي أتعامل معها، لكني لا أنسى أن كتاباتي خيالية، وأحاول التأكد من أن البحث لا يلوث أو يسلب طبيعتها. القصص التي ينتهي بها الأمر، وفقًا لذلك، مجرد خيال محض". ويلفت إلى أن كل كتاب يتحدث إلى القارئ بطريقة فريدة "عندما يقرأ قارئ كتابًا لي، فأنا غريب في تلك العلاقة، والدليل على ذلك أن الكتاب يمكن أن يحبه شخص ما وأن يكرهه قارئ آخر. لم تكن نيتي في الكتابة تغيير تفكير القارئ، أو إدراكه للواقع، أو الإقناع، أو التشويه، أو التنديد، إن نيتي في الكتابة هي قبل كل شيء أدبية، محاولة سرد قصة بشكل جيد، وجعل القارئ يتحرك ليس بسبب المحتوى ولكن بسبب طريقة كتابته". وحول حضور المرأة في أعماله كـ"روساريو" وعمق تحليله لشخصيتها "من السهل بالنسبة لي كتابة الشخصيات النسائية، كوني نشأت وعشت محاطًا بالنساء في عائلتي، وتمكنت من التعامل مع قراءة دراسات علم النفس الأنثوي دون تحيز. إن التحدي ينشأ في محاولة عدم خيبة أمل العالم الأنثوي الذي أحاط بي، وأن النساء في قصصي يبدو أنهن نساء من لحم ودم، وأن إحساسي الأنثوي يسمح لي أيضا بإنشاء شخصيات ذات مصداقية". يذكر أن خورخي فرانكو ولد في مدينة ميديين عام 1962، والتحق بمعهد لندن للفيلم، كما درس الأدب في مدينة بوغوتاه، غير أنه لم ينته من دراسته وتفرغ للكتابة، من أعماله "حب ملعون" و"عالم خارجي"، و"ليلة عصيبة"، قال عنه غابرييل غارسيا ماركيز "إن خورخي فرانكو من الكتاب الكولومبيين الذين أود أن أمرر لهم الشعلة". مقتطف من الرواية منذ عرفت روساريو الحياة لم تكف عن الاشتباك معها، فكانت تنتصر روساريو حينا، وتنتصر غريمتها حينا، وتنهتي الجولة بالتعادل حينا، ولكن لو وضع المرء رهانه لاستطاع أن يرى الخاتمة وهو مغمض العينين، فلسوف تمنى روساريو بالهزيمة في تلك المعركة، حينئذ من المؤكد أنها كانت ستقول إن الحياة تنتصر على الجميع، وتقتلنا بطريقة أو بأخرى في خاتمة المطاف، كما قالت لي في كل مرة. أما أنا، فمن المؤكد أني كنت سأضطر إلى موافقتها، والزعم بأنها على حق، ولكن شتان بين خسارة المعركة بفارق النقاط، وخسارتها بالضربة القاضية. كلما تعرّف المرء بالجنس مبكرا، زاد احتمال إخفاقه في الحياة، ولذا أصر على القول إن روساريو ولدت خاسرة، لأنها اغتصبت قبل أن تفتح عينيها على الدنيا، وهي في الثامنة، في عمر لا يعرف الواحد فيه ما نفع تلك الأجزاء من الجسد. لم تكن تعرف أنها تجرح في ذلك الموضع الذي طلب منها في المدرسة أن تنظفه بالصابون كل يوم. حتى كانت الليلة، جاء فيها واحد من الكثيرين الذين عاشروا أمها، فكمم فاها، واعتلى جسدها، فاتحا ساقيها الصغيرتين، وهناك على وجه التحديد، حيث يكون الألم على أشده، أولج فيها أول ألم تحسه روساريو في حياتها. تذكرت غاضبة: ثمانية أعوام لم تكتمل، لن أنسى ما حييت. يبدو أنها لم تلك الليلة الوحيدة، إذ راقت له فعلته الخسيسة. وطبقا لما حكت، ظل يلاحق روساريو حتى بعد أن بدلت به دونيا روبي رجلا آخر، لاحقها في البيت والمدرسة، وموقف الأتوبيس، حتى لم تقو على تحمل المزيد، فأفضت بكل شيء لأخيها الذي يبد أنه أحبها بحق. قالت روساريو: "تكفل جونيفي بكل شيء في صمت. أخبرني أحد أصدقائه بما جرى بعد مقتله". ـ "وماذا فعلوا بذلك الشخص". ـ "ذلك الشخص.. جردوه من شيئه لئلا يستمر في العبث به". ومع أنهم جردوه من سلاحه الخبيث، فلم يُزل عن روساريو الألم قط، وإنما بالأحرى انتقل إلى مكان آخر، وصعد إلى روحها. كررت روساريو "ثمانية أعوام لم تكتمل، يا للخسة". لم ترغب دونيا روبي في تصديق القصة، حين أخبرها جونيفي وهو في ثورة من الغضب. كانت مصابة بهوس الدفاع عن أولئك الرجال الذين ما عادوا معها، ومهاجمة ذلك الذي حان دوره في معاشرتها، إنه ذلك الهوس المعهود الذي يحمل المرأة على حب من ليس لها من الرجال. قالت دونيا روبي: "إنها حكايات اختلقتها الصغيرة، فقلد أصبحت واسعة الخيال". فأجابها جونيفي وهو يستشيط غضبا: "بل إنك أنت الواسعة، وأنا لا أقصد بكلامي خيالك". كان يحب روساريو لأنها أخته الوحيدة بحق، "من أب واحد، وأم واحدة"، مثلما كانت تؤكد أمهما. الشيء الذي بدا لهما غريبا هو الفارق العمري الذي يقدر بأعوام طوال بين جونيفي وروساريو، مع أن رجلا واحدا لم يستمر مع دونيا روبي طويلا. وعلى الرغم من تلك الشكوك، فالوحيدة التي اعترف بها ودعاها أخته روساريو، أما الباقون فلم يكونوا أكثر من "أولاد دونيا روبي". سألتها عرضا: "كم شقيقا لك، روساريو؟". فأجابتني: "ها! ما عدت أعرف كم صرنا، فقد بلغني أن دونيا روبي ظلت تنجب حتى بعد رحيلي. وكأنها تملك ما يكفي لإعالتهم". رحلت روساريو عن بيتها وهي في الحادية عشرة من العمر، فبدأت مسيرة طويلة لم تسمح لها بالبقاء في الموضع نفسه لما يزيد على عام واحد. كان جونيفي أول من استضافها. طردت من آخر مدرسة التحقت بها، إذ جازف المسؤولون بقبولها على الرغم من "الجرح" الذي أحدثته في وجه المعلمة ودونها الكثير من التجاوزات المشابهة، ولكن فعلتها الأخيرة كانت لا تغتفر "إذ اختطفت إحدى المعلمات نهارا كاملا وقصت شعرها بضربات مجنونة من المقص"، وهي الفعلة التي جرت عليها تهديدات جديدة بإرسالها إلى السجن الإصلاحي. خرجت دونيا روبي عن شعورها وقالت لروساريو: "مادمت لم تقبل ولا حتى في السجن، فلا مكان لك في هذا البيت أيضا. اغربي عن وجهي في الحال". فالتجأت روساريو إلى أخيها بكل سعادة وسرور. ما كان أحد ليشك بأنها تحبه أكثر من أمها، وأكثر من أي شخص في العالم بأسره. كانت تقول في زهو "بل أحبه أكثر من فيرني". كان فيرني وجونيفي صديقين وشريكين ورفيقين في العصابة ذاتها، كانا في عمر واحد، أكبر من روساريو بما يقرب من خمسة أعوام. لطالما أحبت فيرني، منذ وقع بصرها عليه أدركت أنه في منزلة أخ، وإن جاز لها أن تأثم معه. كان إميليو يقول: "لم يخطر على بالي يوما أن يكون لي منافس من تلك الأحياء" وعبثا رحنا نحذره: "سيقتلونك" ـ "بل سيقتلونه قبلي. وسترون". حين تعرّف بها إميليو، كانت روساريو قد انفصلت عن فيرني، وهجرت حيها وناسها منذ زمن، فأنزلها أشد الأشداء في شقة فاخرة، قريبة جدا من شقتنا بالمنابة، وأعطوها سيارة وحسابا جاريا، وكل ما هفت إليه نفسها. وعلى الرغم من ذلك، فقد ظل فيرني هو ملاكها الحارس، وعشيقها السري، الذي يضع نفسه تحت خدمتها بلا شروط، البديل عن أخيها الراحل. وإذا فيرني يغدو صداعا في رأس إميليو وإميليو حصاة في حذاء فيرني. ومع أنهما لم يتقابلا سوى مرات قليلة جدا. فقد تناصبا العداء، وباتت روساريو هي الوسيطة التي تحمل رسائل الكراهية المتبادلة بينهما.

مشاركة :