نظم مهرجان طيران الإمارات للآداب مساء أمس الأول في مركز دبي الدولي للكتّاب أمسية قصص وقصائد من البادية إلى المدينة، أحياها مجموعة من الكتاب والباحثين وهم: الدكتورة حصة لوتاه، والشاعر حميد بن ذبيان المنصوري، والكاتب عبد العزيز المسلم، والشاعرة كلثم عبدالله، والروائي علي أبو الريش، وأدار الجلسة فهد المعمري، كما شهدت الأمسية مشاركة فرقة بنات القدس من معهد إدوارد سعيد للموسيقى، قدمت خلالها مجموعة من الأغاني والمقطوعات التراثية، منها يما مويل الهوى تراث فلسيطني، وتحيات من تأليف زياد الرحباني. تناولت لوتاه في مداخلتها، دور الإعلام في تدوين التراث الإماراتي وحفظه، مؤكدة الدور الكبير الذي لعبه في حفظ التراث الشعبي، سواء كان عن طريق الصورة أو الصوت أو التدوين، ومن خلال البرامج التراثية التي كانت تعرض في التلفزيون والإذاعة. وقرأت لوتاه قصة تحاكي رقصة العيش الشعبية، والتي كانت تمارس في الاحتفالات المختلفة، وكانت هذه الرقصات جزءاً لا يتجزأ من المواطن الإماراتي: الساحة تعج بالناس بعضهم يؤدي بعض الرقصات، وبعضهم يأتي متفرجاً، والأطفال يتراكضون ويلعبون، ويندسون أحيانا بين صفوف الراقصين ليلقوا النظرات، رائحة الخشب المحترق تختلط مع رائحة الطبخ، في جزء من الساحة نقترب من دائرة من الراقصين تتمايل، هازجة بأغانيها، ويدخل أحد الفتيان من بينهم على منطقة وسط، ومن الجهة المقابلة تنهض إحدى الفتيات، يسحب الفتى خنجره المشدود في وسطه بحزام جلدي من جرابه المعدني، وتلقي الفتاة بغطاء شعرها وراءها، ثم تحل جدائلها، يقترب الاثنان قليلا من بعضهما وتبدأ المبارزة، هو، أي الفتى يلاعبها بالخنجر، وهي بعد أن تخفض رأسها، تتمايل في حركة يستجيب فيها كامل جسدها، يرتفع شعرها في الهواء، وتبدأ المبارزة. وتحدث المسلم عن أصول اللهجة الإماراتية العامية وفروعها، مؤكداً أن اللهجة الإماراتية لها ثلاثة أطر، هي العربية الفصحى، والإطار الخليجي، والإطار المحلي، إلا أن الأعم الأغلب من مفردات اللهجة الإماراتية العامية هي من الفصحى. وقال إن اللهجات في الإمارات هي امتداد للهجات عريقة قديمة، كانت تتحدث بها القبائل في المنطقة، خصوصاً القبائل الرئيسة الثلاث، وهي قبيلة الأزد، وقبيلة عبد القيس، وقبيلة تميم. وتطرق المسلم إلى بيئات اللهجة الإماراتية، التي تتوزع على ثلاث مناطق، هي الصحراء والساحل والجبال، فكلما ابتعدنا نحو الصحراء، كانت اللهجة أقرب إلى الفصحى، إلا أنه حتى ضمن كل بيئة توجد لهجات متعددة ومفردات خاصة. وأشار إلى ضرورة الحفاظ على اللهجة الإماراتية، وأهمية توثيق مفرداتها من من خلال البرامج والمشاريع التخصصية التي تعيد لها رونقها وأصالتها، بعد أن فُقد الكثير منها وضاع بفعل استخدام أكثر من لغة في الحياة اليومية كالإنجليزية والأوردو، للتفاهم مع العمالة الوافدة والأجانب. أما حميد المنصوري، فتناول تاريخ خور دبي والأهمية الاستراتيجية، والقيمة الكبيرة التي جعلته عصب الحياة وشريانها بالنسبة لمدينة دبي، بالإضافة إلى الأهمية التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والمعمارية. يعد خور دبي الشريان المائي الحيوي، والميناء الطبيعي الذي يمثل عصب التجارة من خلال السفن الخشبية التقليدية في إمارة دبي، حيث يمتد داخل المدينة قاسماً إياها إلى شطرين، هما: بر دبي، وديرة، وهو الأمر الذي أسهم بشكل فعال في أن توجد على ضفتيه الأسواق التجارية التقليدية والعمران، وخصوصاً بر ديرة، حيث كانت ترد إليه في السابق سفن اللؤلؤ والسفن المحملة بجميع أنواع البضائع. وكانت منطقة الخور، تعج بالتجار والحرفيين والعمال، من شبه الجزيرة العربية، والهند وشرق إفريقيا. ومزج الخور الكثير من القيم الإنسانية والاجتماعية بين الناس. كما دمج الكثير من الأنماط والعناصر المعمارية المختلفة، وأثر في تبادل تقنيات البناء. إلى أن أصبحت المباني المطلة على الخور ومناطقه المحيطة تشكل قيمة أثرية وحضارية عالمية متميزة، تعبر عن انصهار مكونات الطبيعة والعمارة والثقافة الإنسانية والاجتماعية. وتناول أبو الريش، قضية التراث في أعمال الروائيين الإماراتيين، مؤكداً أن الرواية الإماراتية منذ نشأتها، ارتبطت بمحيطها البيئي والجغرافي من جهة، والثقافي الاجتماعي الفكري من جهة أخرى، وعبرت عنه أحسن تعبير، حيث شرعت الأعمال الروائية في استلهام القصص والحكايا الشعبية، من خلال تحويرها في قالب يتوافق مع واقع المشكلة التي تطرحها الرواية، أو في تضمين هذه القصص بشكل مباشر في صلب النص، كنوع من التوثيق والتدوين لحال المجتمع وظروفه في الحقب الزمنية المختلفة، ولم يكتف الروائيون بنقل ما يعرفونه ويعيشونه فقط، وإنما سعوا إلى توثيق التراث السابق لهم زمانياً، من خلال البحث والتقصي. وتحدثت عائشة العبدالله، عن الشعر الشعبي، وضرورته في حياة المجتمع الإماراتي، فهو حافظ للهجتها الأصيلة، ومثبت للكثير من الأحداث التاريخية التي مرت بها المنطقة عبر الأبيات الشعرية، التي نظمها أبناء الإمارات في المناسبات المختلفة، وفي الملمات التي حلت بهم والظروف التي عاشوها. وأكدت أهمية الشعر الشعبي في حفظ التراث الشفهي، حيث إنه وعاء أدبي، يحتضن مفردات من الأمثال والنداءات والحكايات والكنايات، كلها يتم التعبير عنها من خلال اللهجة المحلية الشعبية. القراءة في الطفولة ترسم معالم المستقبل ضمن فعاليات المهرجان قدمت الكاتبة شيماء المرزوقي، محاضرة عن الكتابة والتأليف للطفل، تحدثت خلالها حول دور قصص الأطفال في تعديل سلوك الأبناء، وكيف تسهم القصص في توجيه رسائل غير مباشرة لهم حول السلوكيات المرغوبة وتجنب السلوكيات غير المرغوبة. وناقشت دور وأهمية القراءة وآليات اختيار قصص الأطفال، تماشياً مع فئاتهم العمرية ومستوياتهم الفكرية، وأكدت المرزوقي على أن قصص الأطفال تترك أثراً كبيراً على تفكير النشء وتصرفاتهم، بل قد تؤثر على حياتهم في المستقبل، سواء من الناحية الإيجابية أو السلبية، مشددة على أهمية حسن الاختيار للقصص الموجه للأطفال. وأوضحت المرزوقي أن للقصص أهمية كبيرة ومؤثرة في التكوين النفسي والاجتماعي لدى الطفل، كما أنها تسهم في رفع مستواه اللغوي، من خلال زيادة حصيلة المفردات والتراكيب السليمة والمنطقية لديه، وهي بالضرورة تعزز السلوك الإيجابي عنده وتدفعه إلى تطوير ذاته، واكتشاف مواهبه الدفينة، بالإضافة إلى أنها تدفعه للانطلاق في الحياة الاجتماعية وتكوين الصداقات. في السياق ذاته أشارت المرزوقي أن للقصص دوراً في تعرف الطفل بالمفاهيم الكبيرة مثل الموت والطلاق والتبني، كما أنها تقرب هذه المفاهيم بطريقة سلسة يستوعبها الطفل ولا تشكل عبئاً فكرياً عليه.
مشاركة :