رحل محمد حسنين هيكل وأفضى إلى ما قدم، وأحسب أنه ظاهر لم يُقدِّم لمعاني العدل والحرية والفضيلة شيئاً يُذكر. كان هيكل ظاهرة صوتية وكتابية ذات حضور مشهود، خاصةً وأن له أتباعاً (مُحبِّين أو مُستَأجرين) يُروِّجون له باستمرار كما كان يخدع الناس باستمرار. لقد نجح هيكل في إضفاء صورة الشخصية النادرة على نفسه، فهو إن تحدَّث في السياسة فهو سياسي باهر، وإن تحدَّث في التاريخ فهو صوتٌ حاضر، وإن تحدَّث عن الرؤساء والملوك والزعماء فهو قريب منهم كأنه لهم مرافق. كان بإمكان هيكل أن يصنع لنفسه مجداً حقيقياً غير مزيّف لو أنه سخَّر المواهب التي امتلكها لخدمة قضايا بلاده أولاً، ثم قضاياً العرب ثانياً، وعلى رأسها قضية فلسطين، لكن الذي حدث كان شيئاً آخر. كان هيكل مغرماً بمرافقة المشاهير خاصة أصحاب السلطة، بغض النظر عن المركب الذي استقله صاحب السلطة ليصل إلى السلطة! لا يهمه إن كان شيوعياً أحمر يصل إلى القصر عبر الدماء والأشلاء، أو جنرالاً أغبر يسوق الناس بالبندقية والدبابة. لم يكن هيكل موضوعياً إلا بالقدر الذي يخدم أجندته الضيقة، وبما يخدم مصالحه الآنية المرتبطة برغبات خفية وخطط محكمة ومكر شديد يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً في ذهن الرأي العام الذي إليه يستمع، وبه يتأثر. ولعل مواقفه وتصريحاته وآراؤه منذ عام مضى ولحين وفاته تختصر جزءاً كبيراً من سيرته الذاتية، كما تختزل أسلوب أدائه في عالم الكلمة ودنيا الإعلام. باختصار كان هيكل (وصولياً) إلى أقصى درجة، واستغلالياً لأبعد مدى. كان يحاول باستمرار تسخير الكلمة لابتزاز الآخرين ممَّن يملكون المال والسلطة، وكان بعض الضحايا يستجيبون وآخرون عظام كبار لم يولوه أدنى اهتمام، فليقل ما شاء والله حسيبه، ويظل الكبير كبيراً والصادق صادقاً. ولم أعجب لأقلام ذرفت الحبر عل موت هيكل، فلها أن تبكي من شاءت، وأن تنعي من شاءت! بل عجبت لتعجب بعضها من عدم تباكي كل قلم على موت هيكل حتى لو كانت مجرد نياحة مستأجرة. بالنسبة لي لم يكن هيكل إلا قيمة سالبة لم تضف للمعاني السامية شيئًا يُذكر! salem_sahab@hotmail.com
مشاركة :