كل شيء من حولك لم يكن يُنْبِئ بتغيُّر مفاجئ لطقس علاقتك مع الآخر، فالسماء صافية، ونافذة غرفتك تطلُّ على منظر جميل، والعصافير تُغرِّد، وذهنك منشغل كثيرًا بأصدقائك، وقلبك الكبير بعطائه وتسامحه لازال لديه الاستعداد ليُعطي الكثير من الحُبِّ والثقة، والمواقف الجميلة له ولكل من يعيشون في فضائك، الذي يزدحم بصفوة الناس وأخيارهم، وأنتَ كما أنتَ، صاحب الموقف الواحد، والذي يجعلك دائمًا في المُقدِّمة عند الآخرين عندما تذكر مواقف الرجال لسمو أخلاقك. في كل يوم يزداد رصيدنا بمعرفة العابرين في حياتنا ممن تجمعك بهم الصدفة في العمل أو المناسبات، أو من خلال المواقف العامة في الحياة، وتحاول أن تكون أكثر حكمة وفراسة عندما تُقرِّر أن تُرافق أحدهم مستعينا بخبرة السنين ونصائح الوالدين وتجارب مَن سقطوا أمامك مُتعثِّرين بثقتهم في الآخرين، حتى لا تقع أنت في مطبِّ الثقة، ويُقال عنك غلطة الشاطر بألف.. هذا الشاطر الذى أعطى الثقة لمِن لا يستحقها، لم يكن يتوقَّع أن تأتيه طعنة الغدر والخيانة من أقرب المُقرِّبين إليه.. والذين تأصَّلت فيهم الخيانة وأصبحت من نسيج شخصيتهم الماكرة، القادرة على التلوُّن وإخفاء الحقيقة، وهم لا يُدركون أن الخائن إن استطاع بدهائه أن يخفي الحقيقة لن يستطيع إخفاء رائحة فعله الدنيء.. فهناك دائمًا وقت لكشف الحقائق. أحيانا يصعب علينا أن نتوقع توقيت لحظة الغدر الغدارة، والتى تأخذك إلى متاهات لحظة الذهول والارتباك الطويلة، عندما تكتشف أنك كنتَ بطلا بتربيتك ومبادئك لقصة عنوانها: (الغدر والخيانة)، والتى لا تُجيد قراءة طلاسمها، وهذا يعني أنكَ كنتَ بطلا أمام كومبارس مُبتدئ، ولكنه استطاع أن يلبس قناعًا أسودَ يخفي خلفه خيانته بأدواته الدنيئة، وأنت لا تستطيع أن تُحاربه بسلاحه، وعندها تُقرِّر أن تتركه مع نفسه وخيانته، منسحبًا انسحاب الأبطال، الذين لا يعرفون كيف يُحاربون الأقزام، والذين يجب أن نتجاوز قِصر قامة أخلاقهم. الغدروالخيانة وجهان لموقف واحد أساسه التربية، التى لم تُفلح مع مَن تأصَّل فيه الفعل الجبان لعائلته التى توسَّمت فيهِ الخير، فضلَّ عن الطريق، فأنت خارج بيتك، تنقل للآخرين صورة حية لتربيتك، وبخيانتك خُيِّلَ لك أن الصداقة عبارة عن جواز مرور للمصالح المؤقتة والأقنعة المزيفة، والتى تتبدَّل بمهارة عالية حسب ما يقتضيه الموقف الهزيل لذلك القناع، الذي يحمل الملامح الحقيقية للجبناء، والتى قد لا نكتشفها إلا متأخرين، فمن يغدر ويخون أقرب الناس إليه، فإنه يغدر ويخون جميع من حوله، فالحديث عن هذه الصفة الجبانة حديث يأخذكَ بعد اكتشاف الخائن إلى الفرح، وتكون نهايته مؤلمة بعد مغبّة التصفيق له، وهذا ما كرّسه الشاعر الموريتاني بكلماتٍ رقيقة حين قال: حذارِ من تأييدنا أن يخدعك.. بالأمس كنا معه، واليوم معك.. واليد التى تُصفِّق لكَ اليوم.. حذارِ في غدٍ أن تصفعك!! maghrabiaa@ngha.med.sa
مشاركة :