تتعدد الأقنعة، ويظل لون قناع الكذب هو اللون الذي لا تُصلحه كل عمليات التجميل، بإضافة لون تتسع فيها دائرته الضبابية بهدف إخراجه من مساحة الألوان التي تُعطيك انطباعًا بأنك في فخ أسوأ الصفات السلبية.. فالكذب تنبعث منه رائحة المراوغة وطعم الخيانة، والتجربة القاسية والذكرى المؤلمة، وتموت فيه كل مشاعر الثقة التي يصعب ترميمها مهما حاول الكاذب أن يُبرِّر فعله، أو يعلن توبته أمام الملأ، فالكذب هو المشرط الذي يخدش شفافية صدقك مع الآخر، لأنه تعامل معك في الظلام ومن وراء ظهرك مفترسًا ثقتك كما يفعل الجبناء، وأصبح بفعلته وسيطاً بينك وبين ألمك، لأنه قصد خداعك لتحقيق هدفه في مرمى الثقة الذي كان مشرعًا أمامه، فالقصص الجميلة عندما تغفو مطمئنة على ضفاف الثقة؛ تبتلعها الأمواج الغادرة. إن الكذب فعل مُحرَّم في كل الديانات، ورغم ذلك نرى بعض الناس مرضى بداء الكذب، و»الكاذب» يمتلك دائمًا الأعذار والذرائع، ويتوفر على منطق خاص به، يُوظِّفه ويستغله ليُراوغ الحقائق، مستعينًا بأساليب وصيغ تفيد الصدق وتأكيد الحقيقة. ولذلك ومن أجل التحقُّق من الكذب والقدرة على كشفه وتعريته، يتطلب منا التحلي بنوع من الهدوء والراحة النفسية، حتى نتمكن من تنظيم وتجميع المعطيات والمؤشرات الدالة على تورط «الكاذب» في لعبة الاحتيال والكذب. والكاذبون عادةً لا يستطيعون أن يظهروا في ممرات الحياة المتنوعة إلا بعد طلاء دواخلهم بتلك الأصباغ الباهتة، من أجل تزييف الحقائق جزئيًا أو كليًا، أو خلق روايات وأحداث جديدة من نسج خيالهم بنية وقصد الخداع لتحقيق أهدافهم الدنيئة، مثل جرائم الغش والنصب والسرقة. وقد يقترن «الكاذب» ببعض المهن أو الأدوار مثل ممارسة الدبلوماسية أو الحرب النفسية الإعلامية بهدف تضليل الناس والتشويش على آرائهم. فالبعض يُمارس «الكذب» ببراعة لدرجة أنه يُصدِّق نفسه كثيرًا، ولذلك قد يصعب على الآخرين اكتشاف كذبه، ويعتقد أنه بذلك الفعل السيئ قد نجا بفعلته، متناسيًا عقاب الله الذي قد يجعله يفتضح نفسه بنفسه، عندما يفقد ذاكرته المعبّأة بالكثير من الأحداث والقصص الوهمية، وعندما يقع في مأزق يُحاول الخروج منه بكذبةٍ أخرى، كيف لا وهو في نظر نفسه البطل الذي لا يشق له غبار في مسلسل الكذب، الذي هو رأس الخطايا وبدايتها، وهو من أقصر الطرق إلى النار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم والكذِبَ، فإنّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ وإِنّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النّارِ وَمَا يزَالُ العبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّى الكَذِبَ حَتّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذّابًا».. رواه البخاري ومسلم. * رسالة.. في مستنقع الأكاذيب لا تسبح سوى الأسماك الميتة. مثل روسي maghrabiaa@ngha.med.sa
مشاركة :