خلال الأيام الأخيرة تنادى العشرات من سكان فيسبوك إلى نشر رسالة موحدة تحث الأصدقاء على كتابة أي كلمة لإظهار المتابعة لأن مالك مفاتيح المدينة مارك زوكربيرغ قرر تعديل خوارزميات مدينته وتقسيم الناس حسب اهتمامهم ومتابعاتهم، وأنه لا يوجد صديق دائم وعائم. الفكرة المثيرة للانتباه هو هذا النفير الجماعي لكتابة نفس الرسالة في أيام معدودات وكأن المدينة تنتظر إعصارا يجب الاحتماء منه وركوب سفينة الخوارزميات للحيلولة منها، ويا ويل من لم يركب أو تهاون مثلي. الناس فعلا يتأقلمون مع حياة المدينة الافتراضية، وهم يتخوفون من أن تختفي زيارات أصدقائهم وتنطفئ كلمات المجاملة التي يسمعونها منهم أو إشارات الإعجاب والتضامن التي يرسمونها على جدران البيت الافتراضي. ولأجل ذلك لم يعد يعنيهم العالم السابق وناسه وتقاليده وحكاياته. وفيما يحرص البعض على قراءة تدوينات بعض الأصحاب وسخرياتهم الخفيفة ومشاهدة صور أعراسهم وحفلاتهم التي صارت أمرا مشاعا في مملكة الهاتف الذكي، فإنه قد لا يهتم لجار السكنى في كوكب الأرض. ليس مهما أن يقول له صباح الخير أو كيف الأحوال، فهو ربما قد عرف بأحواله مما رأى وشاهد على الصفحات الافتراضية ولا يحتاج إلى أن يطيل معه الحوار بالكلام بعد أن بات يجيد الحوار المقتضب بالنقر على أزرار الهاتف، حوار يقول بكلمات صغيرة وبرموز محدودة ما لا قد تعبر عنه ساعة من كلام على مقهى. أول صديق اعترضني يطلب النجدة وكتابة أي كلمة على جداره كان رجل اقتصاد حقيقي، وأحتاج إلى أن أطل على هذا الجدار لأتابع وأفهم، فكتبت له كلمة تشبه البيع بأني معك وأحتاجك ولا أستغني عنك. وما إن أنهيت المهمة حتى ظهر لي العشرات من الأصدقاء يستنجدون بي لأكتب لأمنعهم من أن يختفوا من حياتي. تصوروا أن خوارزميات السيد زوكربيرغ تمنحك فرصة التخلص من كثير من الجيران الافتراضيين الذين لا تسمع لهم ركزا ولا حسا ولا تعرف لهم حرفا، ومهمتهم أن يطلوا على صفحتك صباح مساء في طقس تلصصي روتيني، وتقول له عيب يا زوكربيرغ اتركهم معي. الناس يستنجدون بك كأنهم غرقى، وكأنما كلمتك على جدار الواحد منهم مثل سفينة نوح ستنجده. أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة نقسم فيها الناس حسب مدنهم، ساكنة الأرض الذين يمشون على الإسفلت، وساكنة مدن زوكربيرغ وماسك، الذين لا يمشون ولا يتكلمون، ويسكنون بيوتا بلا نوافذ ولا أبواب ويتنفسون مما يقرؤون من كلام.
مشاركة :