حوار: فدوى إبراهيم يمثّلرجل الأعمال أحمد اليافعي نموذجاً حياً للإسهام في النهضة الثقافية والفنية التي تشهدها دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن خلال تأسيسه مجمع الفنون في أبوظبي 2012، عمد إلى تحقيق رسالة سامية بخلق سفراء عالميين للإمارات من خلال برنامج الفنان المقيم، وقاده شغفه بالفنون، لا تخصصه في الهندسة الكيميائية، إلى تسخير كل خبراته وقدراته المادية لأجل تحقيق رسالة الفن، وفي فترة زمنية قصيرة، استطاع أن يخلق بصمة في مجاله، مع مدير المشاريع البترولية سابقاً، ومؤسس مجمع الفنون، كان لنا هذا الحوار: } حدثنا بداية عن مجمع الفنون في أبوظبي، الذي يزخر بتنظيم معرض فني شهري على الأقل، منذ افتتاحه في العام 2012 ؟ كانت مبادرتي بافتتاح مجمع الفنون في مدينة مصفح في أبوظبي، تماشياً مع انتهاج أبوظبي خطة ثقافية، كان أبرزها المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات، التي تحتضن أبرز ثلاثة متاحف عالمية، تهدف إلى التأكيد على ثقافة الحوار مع الآخر، ومد جسر التلاقح الثقافي بين الإمارات وغيرها من دول العالم ذات الثقافات المختلفة. ولذلك أدركت النقلة النوعية الثقافية التي ستشهدها العاصمة المرحلة المقبلة، فكان افتتاح المجمع، لكن ليس هذا هو السبب الوحيد، فلم أكن بمعزل عن الفن الذي هويته ومارسته منذ الطفولة، لكن بالطبع ككثيرين أخذتني الدراسة بمراحلها كافة، عن تطوير موهبتي، لكنها بقيت تنمو بداخلي، حتى وجدت الفرصة لاستثمارها، ولكن في القطاع الخاص، الذي أرى أنه لا بد أن يواكب الوجه والقطاع العام لتقديم الثقافة بمفهومها الراقي انضماماً للتيار. } افتتحت المجمع على شكل تمويل شخصي، فهل وجدت الدعم اللازم للاستمرارية؟ لم أجد الدعم حتى اليوم، لكنني سعيت وتأملت أن أجده، وهذا ما دفعني للاعتماد على عدة طرق ووسائل لأجل استمرارية المجمع في تقديم رسالته الفنية والثقافية، التي تعتمد على خلق سفراء للفن الإماراتي من ثقافات العالم المختلفة، ومن خلال تأجير بعض المساحات والمكاتب في المجمع، وبيع بعض الأعمال الفنية، مما يحقق بعض المردود المالي، لكنه لا يغطي بالطبع النفقات على المجمع. } حدثنا قليلاً عن رسالة مجمع الفنون؟ اعتمدت أسلوب الدبلوماسية الناعمة لطرح حضارتنا وتقاليدنا المحلية وتراثنا، وذلك من خلال التواصل مع الفنانين العالميين من كافة دول العالم، لأجل إبراز الوجه الحقيقي للإمارات، باستضافة عدد منهم شهرياً في أبوظبي والمنطقة الغربية، في فرع المجمع هناك، وجعلهم يحتكون بالطبيعة الإماراتية والعمران وإقامة معرض فني شهرياً بعنوان شهر الفن، بحسب جنسيته أو ثيمته، ولهم حرية التعبير عما يشاهدوه في أعمالهم الفنية التي تطرح بعد شهر من إقامتهم وبحضورهم في معرض فني في المجمع، وهذا الأسلوب يخلق من أولئك الفنانين سفراء للدولة حين عودتهم لبلادهم، يعبرّون عما شاهدوه، وهو غالباً إيجابي، في دولهم، مما سيسهم في الحركة السياحية الثقافية في الدولة. } هل ستتوسع برسالتك إلى إمارات الدولة؟ في الحقيقة أنا أسعى أن تكون رسالة تبرز الدولة بكل مكوناتها، وهذا ما يجعلني بفضل الله أفتتح قريباً فرعاً لمجمع الفنون في دبي، حيث يتوفر لدينا أكثر من 2400 عمل فني، سيتم عرضها للبيع هناك، وهي أعمال رسمت مستوحاة من بيئة الإمارات على أيدي فنانين عالميين من شتى الثقافات. } حدثنا عن شغفك بالفنون منذ نشأتك وعملك على الجانب الآخر؟ كان لدى حب لفن الرسم منذ طفولتي، لكن كما ذكرت طغى جانب الدراسة والتحصيل العلمي على فني، لذلك ظلت هوايتي محصورة بي شخصياً وأزاولها من حين لآخر، كلما سنح الوقت، لكن انشغالي بدراسة الهندسة الكيميائية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد حين، وعملي في أدنوك كمهندس، ومن ثم في البنية التحتية للسعديات، وفي القدرة القابضة، وبعد ذلك تفرغت للأعمال الخاصة، كل ذلك جعلني بعيد وقريب في الوقت نفسه من أصل هوايتي. } كيف يكون قربك من الفن، بُعدك عنه مهنياً؟ لقد أدركت أن دراسة الهواية التي أحب، لن تجعلني أستطيع تقديمها بالشكل الإداري والمهني والخدمي الذي أقدمها فيه اليوم، وأدركت كذلك أن الشغف بالفنون ودخول المجال ليس مجرد هواية، بل هو رسالة راقية تحتاج إلى خبرة خاصة، وهي في وقتنا الحالي تعبّر عن خدمة الوطن، كونها تتماشى وخطته، وتعبّر عن جسر يربط بالآخر، ويشكل قيم التسامح التي تسود في الدولة ونبرزها كل حين. ولا بد بهذا الصدد أن أستذكر، حين كنت مديراً لأحد المشاريع الخاصة بالبترول في اليابان، أخبرني أحد اليابانيين عبارة لن أنساها بقوله من الأفضل ألا تتخصص فيما تحب وتبدأ به، بل انتهى بما تحبه، ولعل هذه العبارة علقت في ذهني بل وترجمت حالي، فما عشته وفعلته كان هو الأصح والأنسب لي، حيث درست وعملت في مجال الهندسة الكيميائية، وأدرت مشاريع في اليابان وفرنسا، ودرست في الولايات المتحدة الأمريكية، مما صقلني كشخص، يستطيع أن يحسن التصرف والإدارة، ويدير أعماله، ولأن الفن رسالة راقية، فلا بد أن تدار بموضوعية وحنكة. } لا بد أن سفرك وإقامتك في دول العالم، قد أثرت فيك مهنياً وشخصياً وفي مجال الفنون، فما قولك؟ بالطبع للسفر تأثيرات كبيرة في الشخصية، فقد أضاف لي الكثير في فترة الدراسة والعمل، وجعلني شخص أكثر تفهماً وإدراكاً للواقع، وأقدر على تقبل الآخر والحوار مع الثقافات المختلفة، وكذلك كان لتعرفي إلى الأنظمة المختلفة في كل من اليابان وفرنسا، وتأثيره في المجتمع والثقافة مردوده القوي على شخصيتي، وكذلك اليوم تأثيره في أدائي الإداري والخدمي وعلاقتي بالفنانين في مجمع الفنون، الذي نقدم فيه فرصة للإبداع من خلال تهيئة البيئة الملائمة لكل فنان من كافة الجوانب وتقديم التسهيلات التي تمكنّه من الإبداع، ولهذا السبب كان افتتاح فرع المجمع في ليوا لتأثيره الكبير في الفنانين، حيث البيئة الخصبة للإبداع لطبيعة الحياة الأصيلة. } ماذا يقدم فرع ليوا؟ أعتمد فيه على فكرة المهرجانات الفنية، حيث أتممنا حتى اليوم خمسة مهرجانات، تعتمد على ثلاثة محاور، وهي: علاقة الفنون بالعلوم، علاقة الفنون بالبيئة، وعلاقة الفنون بالثقافة، فكان لدينا مهرجان الجمل، المخلفات البترولية، تدوير قطع قطاع الطيران، الإمارات في الستينات، وغيرها مما شكل معارض تستحضر الإبداع في وجوه مختلفة. } ماذا عن تأثير نشأتك، والدك والدتك، في اختيار تخصصك ودراستك؟ في تلك الفترة كان هناك تركيز كبير على دراسة ما يخص القطاعات النفطية في الدولة، وكان الأهل عموما يشجعون أبناءهم على التماشي مع الطفرة التي شهدتها البلاد في مجال التعليم والتشجيع على الدراسة، ولذلك كان بكل تأكيد مجال البترول الأفضل للعمل، وبفضل التشجيع القوي من قبل الأهل، والتأثير المتكامل من قبل الوالد والوالدة تمت الدراسة وأكملت بعد انتهائي من البكالوريوس بفترة، الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة أبوظبي. } هل تأثر الأبناء بتوجهاتك الدراسية أو الفنية؟ نحن نتعامل اليوم مع جيل واعٍ ويعرف تماماً ما يحب ويريد، وبالتأكيد تأثروا بتوجهاتي، لكنني لم ألزم بناتي الثلاث وولدي بأي تخصص أو توجه، بل ما أصررت عليه هو اختيار التخصص المناسب والاستمرارية فيه، فكل منهم يجب أن يكون متميزاً فيما اختار، وأن يصل به لأفضل ما يمكنه.
مشاركة :