سلمان.. رجل دولة وفارس "الدبلوماسية الناعمة"

  • 2/15/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هو رجل دولة، وسياسي محنك، أكسب السياسة مذاقًا خاصًّا من خلال الشفافية والمصداقية، بعيدًا عن التلاعب بالألفاظ الذي عرفت به لسنوات طويلة، إنه الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي عُرف عنه الحضور الدائم في صياغة القرارات الوطنية الخارجية، وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، وذلك بعد أن بدأ حياته العملية أميرًا لمنطقة الرياض بالنيابة، وعمره لا يتجاوز التاسعة عشرة، وبعدها بعام واحد فقط عُيّن حاكمًا للمنطقة وأميرًا عليها برتبة وزير، وأشرف على مختلف المشروعات بها حتى أصبحت من أكثر مدن العالم نموًّا، وبعد وفاة الأمير سلطان بن عبدالعزيز في عام 2011، تم تعيينه وزيرًا للدفاع، وعلى إثر وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز، تم تعيينه وليًّا للعهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للدفاع، وازدات في السنوات الأخيرة الزيارات الخارجية للملك سلمان من أجل تعزيز مكانة المملكة عالميًّا ومناقشة مختلف القضايا مع زعماء العالم، وكرس الملك سلمان حضوره الفاعل في المنتديات والمؤتمرات الدولية، استنادًا إلى حصيلته الواسعة من المعارف التى تتنوع بين التاريخ والبلدانيات والانساب وعلم الرجال والصحافة وغيرها والتى يشبهها الباحث د. عبدالله العسكر بالدبلوماسية الناعمة، وعنها يقول «حضرت اجتماعًا سياسيًّا ترأسه الملك سلمان، وكم كانت دهشة الحاضرين من مستوى ثقافته الواسعة ومعرفته بمرجعياتهم، الفكرية والمعرفية، وكم كانت دهشتهم عندما استخدم هذه الثقافة في تحليل بعض المواقف السياسية، كما حاز على إعجاب الحاضرين لمقاربته الدبلوماسية والثقافية، أشد ما تكون المقاربة». ملامح السياسة ولعله يبدو من الوهلة الأولى حرص الملك سلمان على العلاقات مع الدول العربية وضرورة إيلائها الأهمية القصوى، أمّا بالنسبة للدول الكبرى فهو يرى أهمية أن تقوم العلاقات معها على أسس من الندية والتعاون المشترك بما يكرّس القواسم المشتركة من أجل البناء فوقها. وعلى الرغم من أجواء التوتر التى تحيط بالمملكة من كل جانب، إلاّ أن ثوابت السياسة السعودية تؤكد على ترك الباب مواربًا من أجل التواصل المشترك وحل الخلافات سريعًا، أمّا بالنسبة لقضية النفط، أكثر القضايا إلحاحًا على الساحة الدولية حاليًّا، فرؤيته تقوم على أن هبوط الأسعار يرجع إلى السوق ولا ينبغى أن يكون مرتبطًا بمواقف سياسية، وهي الرؤية التي تعزز من الاستقرار الاقتصادي ومعدلات النمو في العالم. وقد حازت هذه السياسة على تقدير دول العالم بأسره، حيث تبدو متسقه مع المواقف السعودية، لأن مجرد الحديث عن استخدام البترول سياسيًّا سيؤدّي حتمًا إلى مواقف وردود أفعال ذات طبيعة عنيفة، وبالتالي قد تضر بالأسواق ومصدّري النفط بالدرجة الأولى. حضور مبكر في السياسة وعلى الرغم من عدم تسلّمه منصبًا سياسيًّا رسميًّا منذ سنوات بعيدة، إلاَّ أن الملك سلمان كان حاضرًا في المشهد السياسي باستمرار منذ سنوات مبكرة، ففى عام 1958 أنابه الملك سعود -يرحمه الله- لافتتاح معرض صناعة الزيت بالرياض، والمشاركة في اتّخاذ القرار السياسي عبر استقبال الوفود السياسية، ومنها الرئيس اللبناني شارل الحلو ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، وفي عهد الملك خالد كان للملك سلمان دور كبير في حسم ملف طائرات الأواكس مع الجانب الأمريكي في ثمانينيات القرن الماضي، أمّا في عهد الملك فهد -يرحمه الله- قام الملك سلمان بالكثير من الزيارات الرسمية للدول الخليجية وأمريكا. وفي أيام حرب الخليج في التسعينيات كان الملك سلمان حاضرًا وبقوة في المشهد، يقدم الاستشارة ويقوم بالعديد من الزيارات لنقل رسائل الملك فهد إلى زعماء العالم، وهنا يقول د. عبدالله العسكر: «أزعم أن الملك سلمان انخرط في العمل السياسي دون أن يكون في الواجهة، حيث كان يقدم الرأي والمقترحات للملوك»، كما تنوّعت زيارات الملك سلمان الخارجية لتشمل الصين واليابان وبريطانيا، حتى أنه أصبح مؤتمن الملوك من الملك سعود، إلى الملك عبدالله -رحمهم الله جميعًا-. وعلى المستوى الثقافى الخارجي، ساهم الملك سلمان في نقل حضارة المملكة إلى العالم الخارجي من خلال معرض المملكة بين الأمس واليوم، والذي أقيم في العديد من العواصم العربية والأمريكية والأوروبية للتعريف بالحضارة السعودية، وذلك في الفترة من 1985 إلى 1992، وفي السنوات الأخيرة منذ توليه وزارة الدفاع التقى زعماء العالم الرئيس بوتين، والرئيس أوباما، وافتتح أعمال القمة الاقتصادية العربية الثالثة، كما كان للملك سلمان حضوره الفاعل في الأزمة المصرية والسورية والعراقية وغيرها. كيف يفكر سلمان؟ ولعل قراءة موجزة لخطاب الملك سلمان في قمة العشرين الأخيرة في أستراليا خلال نوفمبر الماضي، تكشف منطلقات التفكير وإستراتيجيته لدى الملك سلمان، وعلى الرغم من الإيجاز الشديد في الخطاب، إلاّ أنه لامس قلوب وعقول الحاضرين خاصة فيما يتعلق بحديثه عن الإرهاب في الشرق الأوسط والأزمة السورية وعنهما قال: «إن بقاء النزاع العربي الإسرائيلي بدون حل أسهم بشكل مباشر في عدم الاستقرار في الشرق الأوسط ، كما أن استمرار الأزمة السورية فاقم من معاناة الشعب السوري الشقيق وأسهم في زيادة حدة الاستقطاب وانتشار العنف والإرهاب في المنطقة»، أمّا بالنسبة للتحديات الاقتصادية التي تواجه العالم، فقد كانت رؤيته بشأنها تقوم على الموضوعية، وفيها أشار إلى أهمية معالجة ضعف وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي من خلال الإصلاحات الاقتصادية الداعمة للنمو، وإيجاد فرص العمل واستكمال تنفيذ إصلاح التشريعات المالية للحد من المخاطر التي قد تؤثر على الاستقرار العالمي، وفي هذا الصدد وضع الملك سلمان روشته لتغيير الوضع بالقول «نؤكد على ضرورة التنفيذ الكامل للتدابير والسياسات الطموحة الفردية والجماعية بهدف رفع قيمة الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة بأكثر من 2% على مدى السنوات الخمس المقبلة مع مراعاة المرونة وفقًا للأوضاع الاقتصادية لكل دولة، كما نرحب في هذا الصدد بمبادرة البنية التحتية العالمية». وفي ملف النفط، كانت رؤية الملك سلمان تنموية اقتصادية اجتماعية إنسانية هادفة، قلّما يلتمسها أي زعيم، وذلك لخلفيته الإسلامية، وفيها يقول: «إن تعزيز إمكانات الوصول إلى مصادر طاقة مستدامة موثوقة بتكاليف معقولة خاصة بالنسبة للدول الفقيرة يُعدُّ شرطًا أساسًا لخفض الفقر وتحقيق التنمية، والمملكة مستمرة من خلال دورها الفاعل في السوق البترولية العالمية، والأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول المنتجة». ولا شك أن هذه الرؤية المعتدلة جعلت المملكة الخيار الإستراتيجي لكل مَن يبحث عن استقرار المنطقة وأمنها من مخاطر الإرهاب الذي يحيط بها من جهات متعددة، خاصة في ظل تمدد تنظيم داعش الإرهابي، والذي انطلقت الحرب ضده بعد دعوات وتحذيرات صريحة من المملكة بأنه قد يصل إلى أوروبا وأمريكا خلال شهر أو شهرين. وعلى الرغم من الإيجاز الشديد في كلمة الملك سلمان إلاّ أنه كانت لها صدى كبير لدى القادة والعالم بأسره، وحاول الكاتب يوسف الكويليت إيجازه في القول «إن حضور الملك سلمان قمة العشرين الاقتصادية يفوق معظم المؤتمرات القارية والإقليمية، إذ إنه لأول مرة في التاريخ يصبح الصوت العربي ممثلاً بالمملكة مساويًا لغيره في هذا النادي الكبير والهام لبحث أهم القضايا الأساسية للحركة الاقتصادية التي تمثل الهمّ الأكبر للأغنياء قبل الفقراء، وتمثيل المملكة في شخص الملك سلمان صاحب الخبرة والتجربة الثرية بجانب رؤساء مجموعة العشرين يؤكد أن المملكة هي الجبهة الأساسية في خطوط الدفاع عن العرب والعالم الإسلامي، حيث عرف الملك سلمان ملتحمًا مع جميع فئات مجتمعه، ولا شك أن من يقف على منصة هذا المنتدى الكبير يتكلّم باسم دولته ووطنه، لم تختر بلده الصدف أو المجاملات، وإنّما حجمها المالي والسياسي والروحي». وكانت زيارة الملك سلمان لفرنسا خلال سبتمبر الماضي تكريسًا لجهود البلدين في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية وبمثابة تحديد للثوابت والمنطلقات، وعنها يقول الكاتب الفلسطيني محمد أبو سمرة: «إن كلمة الملك سلمان في الإيليزية وضعت النقاط على الحروف إزاء القضية الفلسطينية، وأكدت على ضرورة التعاون المشترك لمواجهة الإرهاب بما في ذلك إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل». والحقيقة أن هذه الزيارة عكست من ناحية أخرى الدور المحوري الذي تقوم به المملكة في دعم الدول العربية، وذلك عبر الاتفاق على آلية تفعيل الهبة السعودية للبنان، والبالغة 3 مليارات دولار لتطوير قدرات الجيش اللبناني في الحرب على الإرهاب. وقد ساهمت رؤية الملك سلمان من جهة أخرى في تعزيز العلاقات السعودية الآسيوية في إطار الجهود التي قام بها للانفتاح على جميع الدول، وتنويع مصادر العلاقات والتعاون السياسي والعسكري، بعد أن ظلت العلاقات مع الدول الأوروبية وأمريكا تحظى بالأولوية لسنوات، وعن هذا التوجّه قال محمد الرابغي: «إن زيارة الملك سلمان إلى اليابان والهند وباكستان في مارس من العام الماضي، جاءت لتكريس السياسة السعودية التقليدية العريقة للمملكة، بعيدًا عن افتعال التشنج، حيث تستوعب في شفافية ووضوح المتغيرات السياسية والاقتصادية، وتغطي مساحة كبيرة من آفاق المستقبل المبني على الاحترام والتعاون الكريم تحت السماء الساطعة وضوء الشمس». خطر الإرهاب والحقيقة أن خطر الإرهاب كان القاسم المشترك في لقاءات الملك سلمان الخارجية، وعنها يقول المحلل فيصل البوعنيين: «إن زيارة الملك سلمان لفرنسا تأتي في ظروف غير عادية تسببت في حدوث فوضى عارمة في المنطقة، وساعدت على تمدد المنظمات الإرهابية في المنطقة العربية حتى باتت تهدد السلم الدولي». والحقيقة أنه على الرغم من قصر تجربة الملك سلمان في وزارة الدفاع، بعمر الزمن، إلاّ أنه أحدث فيها نقلة نوعية في ضوء التحديات التي يواجهها الوطن، وأهمية أن يكون على أهبة الاستعداد، وعن هذه النقلة قال الشيخ حمد بن عيسى ملك البحرين في تصريح صحفي في أغسطس الماضي: «نعرب عن فخرنا بما وصلت إليه القوات المسلحة بالسعودية من مستوى راقٍ ومشرف، وما شهدته من تطور كبير في إعداد الرجال ورفع كفاءتهم وتزويدهم بأرقى المنظومات العسكرية المتطورة، وذلك تعزيزًا للدور الذي تضطلع به لحماية هذه الأرض المباركة واستقرار المنطقة والمحافظة على ما حققته من مكتسبات حضارية وأمن ورقي شعوبها إضافة إلى دورها السامي للمساهمة في استتباب السلام في العالم». أمّا الرئيس الفلسطيني فثمّن عاليًا وأكثر من مرة مواقف المملكة تجاه الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أنها ستظل محل تقدير وإجلال، وسيسجلها التاريخ في صفحاته المشرقة». إن القيادة السعودية الجديدة ممثلة في الملك سلمان تتطلّع إلى المزيد من التعاون المشترك بما يضمن تكريس السلم العالمي والتعايش الحضاري والتصدّي للإرهاب، وهي الثوابت التي أكسبت المملكة احترام العالم.

مشاركة :