كان السؤال الوحيد الذي يدور في ذهني، عندما تأملت «الزري»، وهي خيوط تستخدم قديماً لتجميل ملابس النساء في الإمارات، منسوجة بتقنيات مختلفة في أعمال الفنانة د. نجاة مكي، ضمن افتتاح معرضها «أطياف المسك» في عائشة العبار آرت غاليري، مساء الأربعاء، هو إلى أيّ مدى يُمكن لذاكرة أن تحفظ تجاربنا الإنسانية، وتمدنا بحالة من الاتصال بأنفسنا، فبالرغم من كم المتغيرات التقنية والتكنولوجية، والتحولات المجتمعية، في ماهية تفاصيل الحياة اليومية، فتكاد تكون رؤية عابرة للوحة الأقمشة التقليدية وامتدادها في مسطحات من ألوان الطبيعية في أعمال الفنانة د. نجاة مكي، كفيلة بأن تنقلك عبر الزمن إلى لحظة حميمية خاصة، هكذا بكل بساطة، تنساب طفولتك بكل مساراتها الصعبة والسهلة أمامك دفعة واحدة، وتعود لتتفرج على ما استطعت ولو قليلاً أن تدرك قيمة وجوده في هويتك المتفردة. بينما يحدث ذلك كله، وسط حركة الجمهور حول الأعمال الفنية، تُلاحظ الخفة التي تستقبل بها د. نجاة مكي كعادتها الزوار إبان تقديم الشروح الفنية والحوارات الجانبية، سألتها مباشرة هذه المرة: هل نحن كائنات تستمد قوتها من أطياف الذاكرة، نعيش على الظلال الكامنة في روح تجربتنا الحيّة، والإنسان من غير تلك الأطياف قد «ينهار»، فالأخير هنا ليس تعبيراً قاسياً، بقدر ما أود إعطاء مدى أعمق لما تحدثه الذاكرة في حياة البشر، هنا جاءت إجابة الفنانة د. نجاة مكي بسرعة لافته: «بالطبع؛ في الذاكرة الإنسانية هناك تختمر البصمة الشعورية، التي تبنى عليها تجاربنا الحسية، من خلالها نستمد قوتنا، هي ليست فقط حميمية، بل أقرب إلى لحظة قدرية تتوسع في دواخلنا، قد يبنى عليها حاضر ومستقبل حياتنا. في أعمالي الفنية يبدو واضحاً أني أدعوك لفهم هذا الارتباط العميق بينك وبين ذاكرتك، إنها محاولة لإحداث اتزان بين إحساسك الرهيف، وبين النضج الذي أهدته إياك التجربة، إنها بمثابة بوصلة فنية مليئة بألوان الزمان والمكان الحاضرين في كل تجاربنا الإنسانية، تخبرك بأن هناك أشياء لن تنساها، ولن تنساك». أخبار ذات صلة الإمارات تدعو إلى تعزيز الأمن والاستقرار في جنوب السودان سلطان النيادي يعود إلى أرض الوطن غداً تجسيد إبداعي هكذا تستمتع الفنانة د. نجاة مكي، في جعلنا محلقين بخيالنا الواسع، حول كيفية تحويل كل ذلك الأثر في ذاكرتنا إلى تجسيد إبداعي، مثلما هي تفعل تماماً عندما تجعل النساء بقاماتهن الطويلة في أعمالها، كأنهن ولادات من حوارات بصرية لا متناهية تعكسها الأشكال الهندسية في طبيعية التطريز البارز في ملابسهن التقليدية، حول ذلك تسرد مكي شرحها المستفيض عن المجموعات الفنية المشاركة في معرض «أطياف المسك»، ومنها مجموعة «الفصول الأربعة»، مبينةً كيف أن المرأة حاضرة في هذه المجموعة برؤية مختلفة، حيث استخدمت أسماء النساء قديماً مثل اسم «ديمة» والتي تعني السحابة المليئة بالمطر، كدلالة جمالية حول علاقة الموروث بالطبيعية، والرابط الوجودي بين قوة النساء المستمد من البيئة الطبيعية، وأضافت مكي أنه علينا أن نتأمل الزخارف في ملابس النساء ومتغيراتها عبر الفصول المختلفة، ونتجاوز بعدها المادي المباشر، إلى سردياتها العميقة، مثلما هو أثر الضوء والصوت الذي يمكن الشعور به في لوحاتها، قائلةً: «بإحساس مرهف جداً، يستطيع مسطح أرزق واسع، أو شكل بصري في قطعة قماشية، أو حتى إشارات لإضاءات لونية ساطعة، أن تعيدك إلى موقف أو حدث أو شخص أحدثوا في حياتك نقلة مهمة، أو تعلمت منهم درساً قاسياً لا ينسى، وربما كذلك قد تتذكر شاعرية خاصة، مثلما هو الحال معي كلما شممت رائحة المسك، فهي تعيدني إلى والدي العطار، عندما كنت صغيرة في دكانه، إنها أطياف ناعمة وخشنة في ذاكرتك بمقدورها دائماً أن تشعرك بالحياة وأن تنجو بها». الجذب الجمالي لماذا هناك حوارات نتذكرها بحذافيرها وتفاصيلها الزمانية والمكانية؟! أعادت الفنانة د. نجاة مكي الأمر إلى البصمة الشعورية، لافتة أنها في إحدى لوحاتها الفنية التي قدمتها في معرض «أطياف المسك»، قدمت مؤشرات واضحة لمعنى تلك البصمة، وبالنسبة للمبدع في مختلف القطاعات الفنية، فإن مسألة البصمة الشعورية هي إحدى المرتكزات الجوهرية التي يبدي من خلالها ملاحظاته للعالم، إلى جانب المخيلة الواسعة، وإضفاء الجذب الجمالي من خلال اللون والخط، فإن البصمة الشعورية الأقدر على تعميق العلاقات بين الثالوث الإبداعي (العمل، الفنان، المتلقي)، وهي بطبيعة الحال تعكس الصورة الأكبر في العلاقات الكونية والوجودية ككل، وما الفنون إلا تعبيرات وأشكال جمالية تعبر عن الفضاء الشعوري المُحرك لتجربة الإنسانية.
مشاركة :