وسط عالم متغير بشكل كلّي ويومي وآني، يقف الإعلام التقليدي على المحك، ذاك الذي تربّينا عليه، وتعلمنا من رسائله، ومما يُنشر أو يبث من خلاله الكثير، كانت رائحة الصحيفة تعيد التوازن للنفس، والمحطات التلفزيونية في بثها الأرضي أقرب إلينا من كل سماء، إعلام قوي رغم ضعف الإمكانات التقنية آنذاك، كان المراسلون بأجهزتهم البثيّة المتواضعة لا يفوّتون شاردة إخبارية وواردة لا ينقلونها وكانت أصواتهم وهم يصفون الأحداث تُرجف القلوب لشدتها «معكم فلان من فلسطين» هذه وحدها كانت كافية لتُشعرك بطزاجة الحدث وجدّيته لحظة حدوثه. كم من مراسل سقط صريع قذيفةٍ أو رصاصة أمام أعيننا؟ ونحن نتابع بث الحدث، خاصة في المناطق الساخنة بالأحداث والملتهبة بالصراعات، كان الإعلام قريباً منّا جداً، الصحيفة مصدرنا الرئيس، وشاشات التلفزيون رفيقاتنا في الليالي المُقفرات، أما في وقتنا الحالي وزمننا هذا، فقد تحولت البوصلة، وتغيّرت الاتجاهات، حتى الأحداث الساخنة لم تعد كذلك أصاب أوصالها البرود، وصار التعامل معها من «أكسيّة صغيرة»، بحسب ماسك وأيقونته الجديدة. إذن هناك تحولات كبيرة في مسيرة الإعلام العالمي والإقليمي والوطني كذلك، الإعلام في كافة مفاصله ووسائله ورسائله واهتماماته، لم تعد تلك الإمبراطوريات التي قرأنا عنها كثيراً قائمة بالقوة ذاتها على الأقل أمام أعيننا وفهمنا، فقد حلت مكانها أمبراطوريات جديدة تعتمد على الوسائل السريعة الجديدة، والتي هي ليست إعلامية بقدر ما هي جماهيرية يسمونها تواصليّة، وتقوم على كتابة تغريدة أو بث مباشر يمكن أن يقوم به مراهق يصوّر حدثاً أو ظاهرة طبيعية في الشارع فيُصبح ذاك المشهد أشهر من أعتق صحيفة في التاريخ، ويكون ذاك الصبي أهم من روبرت مردوخ وكل فطاحل الإعلام، وقادة الفكر، وأصحاب الرأي فلا رأي هنا أمام مشهد يصوّر في لحظته ويبث في وقته تماماً حتى جرائم القتل في الشوارع صار نقلها نقلاً حيّاً أمراً عادياً رغم أن الضحية ميّت، لكن الرسالة ما تزال حيّة تنبض بتفاصيل من خطورة نشرها للناس بكل قسوتها، لكنه التحول الجديد والفلتان والاستهتار واللامسوؤلية التي يتسم بها بعض حاملو الهواتف الذين يلتقطون كل شيء حتى الموت. إذاً هناك تحوّل كبير في الوسائل والمضامين الإعلامية تتغير بسرعة الومض، وتتحول مساراتها من التغيّر المناخي والمؤامرات التي يتحدث عنها الكثيرون ضد الدول والشعوب الفقيرة أو المُجتمعات النامية، والتحولات الرقمية، والكائنات الفضائية التي خرجوا بها علينا قبل أيام هناك نقلة كبيرة لا ندري إلى أين تأخذنا في عالم يأتينا الخبر فيه عبر شاشة هاتف صغير يحمله فتى مراهق في الشارع.
مشاركة :