< في ديموقراطية ستكون سابقة عربية لو طبقت أكد وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية لتخطيط المدن في السعودية عبدالرحمن آل الشيخ أن الوزارة تتجه إلى إشراك جميع فئات المجتمع في تخطيط المدن، وذلك لتحقيق التكامل والوصول إلى رؤية أفضل. التأكيد نشر قبل أيام، وأشك في أن الوزارة ستفعل لسبب بسيط، لأنها تصادر على الناس المشاركة في قرار تخطيط الحي الذي يسكنونه بالفعل، في شكل أرصفته وشوارعه، فكيف الحال بتخطيط مدينة بأكملها؟ صباح أمس (الأحد) استيقظ سكان شارع سكني داخلي في أحد أحياء الرياض (حي الغدير) على هدير المعدات تكسر الأسفلت من الجانبين، تمهيداً لوضع رصيف عريض من الجانبين سيجعل عرض الشراع ينخفض إلى النصف تقريباً، ولم تشارك البلدية سكان الشارع الصغير القرار، ولم تدرس نمط حياتهم ورغباتهم، ولم تأخذ في الاعتبار أنهم دفعوا ثمن عرض شارعهم لأسباب تخصهم، إذ إن محددات سعر العقار عرض الشارع، وهو أمر متعارف عليه. البلدية تدعي أن الغرض هو إتاحة أماكن للمشاة، وفي هذا ابتعاد عن واقع الناس، فهي تعرف تماماً أن جيران الحي الواحد لا يمكن أن يمشي واحدهم بمحاذاة أبواب الجيران احتراماً للعادات والتقاليد، سواء اتفقنا أم اختلفنا معها. الشارع الرئيس في الحي نفسه يحتاج إلى عمل بلدي أهم من الشوارع الفرعية التي ستزين بأرصفة من حجر تثير أسئلة حول هذا الصرف على الكماليات، في وقت تقليص الإنفاق وتحديده على «الأولويات». يقول الأكاديمي اللبناني مصطفى المزوغي في حديثه عن أثر الفكر على العمارة وتوليد فلسفة المدن: «تولد المدينة، وينمو عمرانها وتكتسي عمارتها تعابيرها، ويولد معها سؤال صنعها، فالمدينة رهينة الحاجة والحلم والفكر، تارة نجدها من صنع رغبات الرجال كما يكتبها إتالو كالفينو Italo Calvino في مدنه اللا مرئية، وتارة كحلم رجل واحد كالإمبراطور المغولي أكبر في بناء مدينة الفتح الصوفية التي هجرها سكانها لشح المياه بها، وتارة أخرى نرقبها كمدينة يحاول نظم نسيجها فكر المخططين». وأتساءل عن جدوى الدور التخطيطي لحي إذا لم يكن مساعداً للسكنى وسعادة مجتمع هذا الحي، وهل تشكل الأرصفة العريضة الصماء إضافة تخطيطية نوعية؟ أليس المجدي هو التفكير في تحقيق ما ينفع الحي؟ والاكتفاء بالشوارع الرئيسة لتحقق غرض المشي، ثم صرف ما سيصرف على هذه الحجارة في تجميل حقيقي للحي، في إضافة حديقة، أو تحسن حديقة قائمة؟ متى يمكن للبلديات أن تعي أن المدينة ليست وعاء من الأسفلت والأرصفة العريضة يكتظ بمحتواه السكاني فحسب، بل مكان للعيش الواعي، العيش الذي يتحقق إذا اقتنعت أن التخطيط على درجة من التعقيد والمسؤولية بحيث يجب ألا يترك الأمر لمهندسي البلدية وحدهم، بل يجب إشراك التخصصات كافة ذات العلاقة ببنيان المجتمعات العمرانية. قبل أن تأخذ البلديات رأي الناس في مدنهم، عليها أن تبدأ في أخذ رأيهم في ما أمام منازلهم أولاً. mohamdalyami@
مشاركة :