النسخة: الورقية - سعودي أكتب دعماً لحملة كفاءة الطاقة، لأنها تحولت من مفهوم يناقش منذ أعوام إلى نظام ملزم وسيستمر بالتدريج، ثم إلى شيء يمكنني تسميته «منتجاً فكرياً» يتم تسويقه على الناس عبر حملة إعلانية مكثفة استخدمت فيها شخصيتان كوميديتان لهما شعبية وقبول عند الناس. لست اقتصادياً بالمعنى الذي يجب أن يكون عليه الاقتصاديون، لكنني أحياناً أشعر بأن المخطِط الاقتصادي ومن يرسم ملامح التنمية واقعٌ في مأزق جميل كمعنى، لكنه مضرٌّ كممارسة، فهو في بلد غني جداً، ويريد أن يوازن استهلاك الطاقة بكل أنواعها، والماء، ولا يستطيع أو هو لا يرغب في أن يقدم الطاقة والماء بأسعارهما الفعلية، فضلاً عن طلب تحقيق الربحية للشركات التي تقدمها! ربما لديه أسبابه السياسية والاجتماعية، أو هو يمارس نهجاً طويل المدى يبدأ بالتوعية، ثم بتوفير البدائل، ثم، وهذه أهم مرحلة، تحقيق التوازن في «مالية» الفرد العادي، الموظف أو «المتسبب» صاحب الحال الاقتصادية المتوسطة وما دون، لأنه يعرف أن موازنة الفرد أو الأسرة فيها اختلال هيكلي أسبابه كثيرة، لكن ملامحه الرئيسة أن حصوله على السكن والرعاية الصحية وأحياناً التعليم يتم بما يفوق طاقته المالية، فلا يمكن للمخطط أن يضيف عليه عبء السعر الحقيقي للطاقة ليجبره على ترشيد استهلاكها، أو الماء أيضاً للهدف والسبب نفسهما. مثلاً سيكون في مقدور الحكومة رفع أسعار الوقود إذا توافر النقل العام في معظم المدن السعودية، وشبكة القطارات في ما بينها، أو فرض رسوم على مواقف السيارات لتخفيف الزحام والتلوث، وبالمثل رفع سعر المياه، إذا انخفضت فاتورة إيجار المسكن من ثلث الدخل إلى نسبة أقل بكثير، أو انعدمت لتملك المسكن. قد يبدو هذا تبسيطاً لمعضلة اقتصادية اجتماعية، لكنه واقع الحال، أو هو اقتراب من تجارب آخرين يقدمون الطاقة والماء بأسعار تجعل الحرص عليهما جزءاً من معيشة الإنسان، وثقافة مجتمعية عامة تذهب بعيداً إلى ثقافة البيئة، والطبيعة، والتحضر في التعامل معهما. البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة هو في رأيي من أعمق الخطوات الاستراتيجية التي «قدرت» الحكومة على إخراجها نظرياً وعملياً وجعلها جزءاً مهماً من المشهد الاقتصادي السعودي، وبداية عملية لمواجهة التحديات في قطاع الطاقة، واستثمار الكثير من الجهد لترشيدها والرفع من كفاءة استخدامها. لا بد من شكر القائمين عليه جميعاً، الذين يعملون منذ أعوام طويلة على المبدأ، حتى أصبح مشروعاً منتجاً، وسيكون تأثيره على المديين المتوسط والطويل في الاقتصاد وثقافة المجتمع كبيراً وعميقاً. أنتم «تقدرون» كما يقول إعلان الحملة، والحكومة تقدر على أن تصل إلى مرحلة يمكنها فيها رفع أسعار الطاقة، والماء، وخفض تكاليف أساسيات العيش الأخرى، وإرهاصات لمشاريع كثيرة تقول بذلك، فلنسأل الله أن تنجح، وليخاف الله من أوكل إليه الأمل في رفاه المواطن. mohamdalyami@
مشاركة :