صباح الحرف («أبومحمود»)

  • 6/9/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي بعد أيام قليلة ستقفل «بقالة أبومحمود» في الطائف، وهي في الحقيقة «سوبرماركت» ملحق به «ثلاجة جملة» ومستودع جملة، ولها اسم تجاري، لكن تعارف الناس في عروس المصائف على تسميتها «بقالة أبومحمود»، نسبة إلى مؤسسها، وهي رمز من رموز المدينة له من العمر قرابة نصف قرن. لماذا أكتب عنها وهي ستقفل؟ ليس تدخلاً في شأن تجاري عائلي، لكنها جزء من تاريخ المدينة، فكل صاحب همة ونشاط أراد فتح «دكان» صغير في حي صغير كانت محطته الأولى «أبومحمود»، وعندما أقول «دكان» أقصد ذلك حرفياً أي أنه شيء يشبه الغرفة الصغيرة يبيع الحدود الدنيا من الحلويات والمعلبات والمرطبات فقط، وهو نموذج يمتد في كثير من الأحياء داخل المدينة، وفي كثير من القرى خارجها. عندما كان الطلاب من أسر فقيرة أو متوسطة الحال يريدون «الاسترزاق» في الصيف أو الأعياد أو من السياح «الشروق» القادمين من كل ما هو شرق الطائف وصولاً إلى دول الخليج، كانوا يشترون العلكة والحلويات والبسكويت من قسم الجملة، و«يبسطون» به على أكتافهم، أو على صناديق خشبية في المتنزهات، أو على عتبات بيوتهم - وهو أضعف الإيمان - للبيع على أولاد الحارة. تاجران أو ثلاثة للجملة كانوا الأشهر غذائياً في الطائف، قبل أن تصل سلاسل الأسواق المركزية «المحترفة»، التي لم تكن سبب إقفال «أبومحمود»، لكنها سبب السؤال الاجتماعي الاقتصادي المحايد: لماذا لم تتحول مثل هذه التجارة إلى «الصيغة القانونية الأكثر استقراراً»، كما يقول خبراء الشركات عند الحديث عن تحول الأعمال العائلية إلى شركات مغلقة، سواء أكانت مساهمة أم لم تكن؟ ليست هذه المنشأة الوحيدة التي عملت بـ«البركة» وطيب السمعة والعراقة وعمق العلاقات المتجذرة مع الناس، في كل مدينة هناك قصة أو قصص مشابهة، وفي قطاعات أخرى غير المواد الغذائية، وفي كل ثقافة لدى مؤسس أو خلفائه هناك نظرات مختلفة، بعضهم يعتبر ذلك مرحلة ومضت، وبعضهم يرى في قطاعات أخرى ما هو أقل جهداً وأكثر ربحية، وبعضهم يتلاشى فقط لأن المستهلك تغير أو طعم علاقاته بالناس تغير. للبقالة أعلاه وصاحبها مكانة وجدانية، هي سبب كتابتي، وللمؤسس وأبنائه أيادٍ بيضاء في المدينة، كما لكل الأخيار في مدننا الأخرى. في هذه القصة أو النهاية التجارية عبرة اقتصادية، ربما تساعد آخرين في الانتباه إلى أن الخلفاء ربما لا يعشقون المجال كما يعشقه المؤسس، أو هم تعلموا ما هو أفضل مما تعلمه، وهنا تبدو الحاجة إلى المزاوجة بين الرغبات والحاجات، وهنا تبرز كيفية تطوير الأعمال، وتطعيم إدارتها ومالها بدماء جديدة. لا بد أن كثيرين من أهالي الطائف من جيلي يعتبرون ما يحدث جزءاً من تغير الحياة، وتغير الأنماط التي تعودوا عليها، لكنهم بالتأكيد سيفتقدون جزءاً من عفوية ومباشرة التجارة، ولن يستطيعوا أن يقولوا لأبنائهم ما قاله آباؤهم «روح جيب مقاضي رمضان من عند أبومحمود».   mohamdalyami@

مشاركة :