في واقعنا الحالي ومع ظهور وسائل التواصل تغيرت فلسفة الزمان وفلسفة المكان؛ فالمكان ليس له وجود مادي، ولكن هناك لقاء يحدث بالفعل، وقد تصل فيه درجة التفاعل وردود الفعل إلى أقصى مستوياتها! أما الزمان فهو موجود ولكن لم يعد ذلك الزمان الواحد الذي يلتقي فيه الموجودون في موقع لا وجود له في الحقيقة فالمكان واحد رغم عدم وجوده المادي المحسوس. أما الزمن فهو في الحقيقة أزمنة مختلفة تلتقي في زمنٍ افتراضي واحد، فعلى سبيل المثال عندما يشترك عدد من الأشخاص في مساحة من مساحات منصة تويتر (إكس حالياً) فإن المكان الذي يجمعهم معلقاً بين خوارزميات لا وجود لها على أرض الواقع، كما أنه قد يكون كل منهم في منطقة زمنية مختلفة في شمال الكرة الأرضية أو غربها أو في أماكن مختلفة من العالم. وقد بدأت فعلياً حالة الانفصال بين الزمان والمكان منذ اللاسلكي والمذياع ثم التلفاز، وقد كانت الإشارات الدالة الأولى على مثل هذا النوع من الاتصال المنفصل عن الزمان والمكان في قصص القرآن الكريم وبالتحديد في قصة سليمان عليه الصلاة والسلام. وفي هذا الواقع الفاصل بين الزمان والمكان وجد الخبر الذي يسري عليه ما يسري على غيره من الأشياء في تحولاتها وتبدلاتها بفعل التقنية وتطور وسائل الاتصال والتواصل، والخبر بصفته سلعة ثقافية قديمة بقدم الزمان كانت توثق بشكلها المادي من خلال النقش على الصخور أو نقلها عبر الحديث المباشر من خلال الإنسان نفسه إلى أن تطور وأصبح منتج ثقافي مادي ينقل بشكله المادي من خلال الرسائل أو الصحف والمجلات وغيرها. والخبر ليس مجرد معلومة تبث وتتداول بل هو ظاهرة اجتماعية، ومنتج ثقافي وطني يعبر عن حراك اجتماعي، وتفاعل مجتمعي، وقد سعت الدول بعد إدراكها لأهمية الخبر إلى احتواء وكالات الأنباء التي ظهرت بالتزامن مع ظهور القوى العظمى ومحاولة كل قوة أن يكون لها السبق في نشر الخبر من جانبها لتكون هي المتحكم فيه بما يخدم مصالحها القومية ويرسخ حضورها ويدعم قوتها الإخبارية الإعلامية والوجودية. ومع ما يشهده اللامكان الصحفي أضحى الخبر يفتقد لقيمة السبق الصحفي، فنجد أن الخبر قد ينقله أحدهم بالصدفة ليُضحي يحمل درجة رائج (ترند) على مستوى متصفحي العالم. إلا أن ما بعد الخبر هو الأهم من الخبر ذاته في ظل هذه الدوامة من الأخبار المنهمرة من كل سماء افتراضية، وما بعد الخبر يأتي على شكل ردود فعل مبنية على وقع هذا الخبر وطبيعة تفاعله مع الرصيد المعرفي ومستوى الوعي داخل الفرد وبالتالي داخل المجتمع، وعلى هذا فإن الخبر أصبح جزءاً من بناء كامل داخل منظومة صحفية تتجسد في جريدة أو مجلة أو قناة إذاعية أو مرئية أو منصة اجتماعية، وأنه على قدر كسب هذه الوسيلة لثقة المجتمع يكون التأثير؛ تأثير الخبر، وتأثير ردود الفعل تجاه الخبر، واللافت المبهج في واقعنا الصحفي أن الثقة في الصحافة المحلية التي نشأت ورقياً ومن ثم تطورت رقمياً ما زال قائماً في ضمائر ووجدان وعقل أفراد المجتمع، وتأتي جريدة "الرياض" في طليعتها ضمن زميلاتها الصحف والمجلات الأخرى، وهذا يجعل من بقاء هذه الوسائل واحتفاظها بطابعها الورقي مع حضورها الرقمي أمراً مرتبطاً بقوة تأثيرها، واستدامة تشكيلها للبناء المعرفي وما ينتج عنه من وعي شامل تجاه كل ما يطرح من قضايا وما ينشر ويبث من أخبار في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المختلفة، ويرسخ من حضورها كجزء من ظاهرة اجتماعية تطورية في كافة المجالات بما في ذلك ما طرأ على مفهوم الزمان والمكان، وتأثيره المباشر على الخبر، وما بعد الخبر.
مشاركة :