الوتر الخامس.. زرياب يحاكم فقهاء الظلام

  • 3/20/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إبراهيم الملا(الشارقة) ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة 26 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، قدمت فرقة مسرح دبا الفجيرة مساء أمس الأول بمعهد الشارقة المسرحي عرضها المونودرامي (مرثية الوتر الخامس) من تأليف مفلح العدوان وإخراج فراس المصري وأداء الممثل الإماراتي عبدالله مسعود، في حضور مفاجئ ومتألق لفرقة دبا الفجيرة بعد غياب طويل دام لست سنوات تقريبا. جاء العرض أشبه بتطواف تاريخي، يبدأ من بغداد هارون الرشيد وحتى الأندلس التي وصفها العرض بالفردوس المفقود، وصولا إلى الزمن الراهن المبتلى بفقهاء الظلام وأعداء الفن وفتاوى الكراهية، بحيث تعبر أطياف الماضي، وتتشكل ملامح النشوة والانكسار، والجمال والقبح، والحرية والكبت، وسط عزف منفرد، قاده الممثل عبدالله مسعود في فضاء مشحون بالخديعة والمكر والغيرة والاعترافات الذاتية، المدوّنة هنا على صحائف الغبار والذاكرة المنفيّة والصراخ المرّ.يبدأ العرض على صورة نادل في ملهى مهجور، يتأرجح وحيدا مثل بندول ثمل، ولكن هذا التأرجح سوف ينقسم في زمن العرض إلى رافدين سيغذيان الحكاية المروية على الخشبة بالكثير من التفاصيل والاستعادات والبوح المركّب، خصوصا وأن الراوي الوحيد سيكون هو زرياب المنبعث هنا في زي عصري وهندام حداثي. يشتغل العرض على البعد الكرونولوجي تارة والبعد التخيلي تارة أخرى، مستعيدا الشخصية الإشكالية لزرياب، بظلاله الرحبة ومكانته اللافتة في الدولة العباسية وفي الإرث الأدبي والغنائي للعرب، عندما استطاع أن يتفوق على أستاذه العازف والملحن إبراهيم الموصلي، فأصبح طريد موهبته، وتكالب عليه الحسّاد والموتورون، الذين تآمروا عليه، وخططوا لقتله، ليرتحل بعدها في بلاد الدنيا، هاربا من جلاديه، ومستقرا في نهاية المطاف بالأندلس، كي يخضع موهبته لاختبارات جديدة في فنون الموسيقا والإتيكيت والموشحات والمقامات والأزياء وغيرها من الاكتشافات والفتوح الفنية التي توجها باختراع الوتر الخامس في العود، ويصبح بذلك طاقة جمالية متكاملة تحتفل بالحياة والحب والطبيعة، ويأتي استرجاع زرياب في هذا العرض، وكما يقول مخرج المسرحية فراس لاستبدال صوت الانفجارات والمدافع بإيقاعات الموسيقا والرقص، والاستعاضة بريشة فنان، يلعب بالألوان كبديل أطهر وأنقى من لون الدم أيا كان القاتل والمقتول. تضمنت سينوغرافيا العرض كتلا ثابتة وأخرى متحركة في منتصف الخشبة وفي عمقها، وتم توظيف الإضاءة لتكون جزءا حيويا ومشتبكا بالثيمات الظاهرة والخفية في المونولوج اللاهث والصيغة الاحتجاجية التي عبّر عنها زرياب، واستفاض في شرحها قولا وأداء وإيماء واستعراضا وعزفا، وكانت عناصر الديكور الأكثر تمازجا مع حركة الممثل هي السلالم والعود والدفوف، ورغم صعوبة التعامل مع السلالم تحديدا في حالات الهبوط والصعود وأثناء محاكاة الشخصيات الافتراضية مثل هارون الرشيد وإبراهيم الموصلي ورجال الكهنوت المتحجرين، إلا أن الممثل عبدالله مسعود كان قادرا على ترويض اندفاعاته الجسدية وطبقاته الصوتية لصالح استحضار زرياب كعاطفة إنسانية وفطرية مناوئة للعنف ومحتشدة بغريزة التغيير نحو كل ما هو مبهج وإبداعي ومستنير في ذاكرة الحضارات والشعوب، وبالخصوص الشعوب العربية الحائرة اليوم بين بعض كتب التراث الديني المخضبة بالدم، وبين التطلع نحو السلام والابتكار والحداثة المنتجة. يقول زرياب في ثنايا خطابه المفعم بالأمل: «عازف سلام أنا، خرجت من قبري لأروي حكايتي»، لينسج من خلال عزفه وغنائه وتنقلاته الرشيقة بين الأزمنة، قماشة من ضوء، ومدارات من شجن، طارحا أسئلته الصعبة في الزمن الصعب، ومستعيدا سيرة المبدعين المضطهدين والمحاصرين بالاستبداد الديني والأفكار الإقصائية المتطرفة.كان المشهد الختامي للعرض متماسكا من خلال الإضاءة المعبّرة عن المقولة الرئيسة لنص المؤلف مفلح العدوان، حيث توزعت الإضاءة على شكل الأوتار الخمسة، واحتلت كامل الفضاء الأمامي للخشبة كنوع من العرفان والإجلال لشخصية زرياب، بينما ظل الممثل عبدالله مسعود معتليا السلم في وسط المشهد، وكأنه يعلن عن الحضور المتجدد للفن وعن إيقاد جذوة المعنى العرفاني والمشرق لصنّاع الحياة، بدلا عن المعنى الشيطاني والمعتم لصناع الموت.

مشاركة :