'ارهاب' يخدم المستضعفين في فيلم بوليودي لشاه رو خان

  • 12/17/2023
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الرباط - ينطلق فيلم "جوان" في رحلة فريدة، تكشف عن أبعاد مختلفة من الإبداع السينمائي حول سلسلة من المغامرات، تدور حول إرهابي طيب القلب وفريقه المميز من الفتيات الحاصلات على التدريب المكثف والمسلحات اللواتي يختطفن الرهائن، ويطالبون الحكومة بفدية ليعطوها للفقراء في البوادي. "جوان" هو أول عمل من تأليف وإخراج آتلي كومار في صناعة بوليوود، ويشارك في الفيلم نخبة من نجوم السينما الهندية، بما في ذلك شاه روخ خان، وفيجاي سيثيباثي ونايانتارا، وسانيا مالهوترا، وبرياماني، ومن موسيقى وألحان أنايرود. يُعد هذا العمل قفزة نوعية سينمائية هندية في حياة المخرج، حيث يمزج بين التشويق والإثارة، وعصر موهبة متميزة في السينما الهندية عنوانها الممثل شاه روخ خان. تمتزج الفنون السينمائية في هذا العمل لتروي قصة مؤثرة تستقطب الانتباه، وتشد الأنظار منذ المشهد الأول، حيث يظهر فيه امرأة وابنها على جانب الوادي خلال قيامهما بالصيد في الخلفية، نرى نهر الوادي، حيث يظهر جسد فاقد الوعي ومصاب، يشاهده الولد ويصرخ لوالدته.  تتوالى اللقطات بسلاسة لنرى الجريح يُحمل على ظهر حصان متجهًا نحو قرية جبلية، حيث يتساقط الدم من جراحه على أصابع يده في لقطة مقربة جذابة، بعد ذلك تستعرض هذه الأفكار المتضاربة موضوعات عميقة ومعقدة بطريقة تفاعلية، حيث تندمج الشخصيات والخلفيات في مجال فني يثير تساؤلات تأملية بعد نهاية كل مشهد. نشاهد في تتابع اللقطات المتتالية علاج شيخ القرية الحكيم للجريح تحت لحن موسيقي رائع يستخدمه أهل القرية كدعاء للإله الصنم، سعيًا للبركة والشفاء، بعد ذلك بسرعة فائقة يُظهر لنا التصوير هجوم مرتزقة على أهل القرية بالقتل بدون رحمة ولا شفقة، ومن خلال لقطات قريبة جدًا، تصف الحركات بدقة وتوازن، وفي عمق هذه المشاهد نرى شيخ القرية الحكيم وهو يركع أمام أرجل الإله الصنم، يتضرع إليه لإرسال البطل الذي سيخلصهم من كل الشرور. نرى في مشهد موازٍ أصابع الجريح الذي وُجِدَ مَرْمِيَّا في الوادي تبدأ في التحرك، كما لو كان يستجيب لنداء شيخ القرية، فينهض بأسلوب حركة أسطوري، يمسك بالرمح ونرى ظلَّه يتسلل على الأرض عندما يقفز عاليًا من السماء، ويبدأ في قتل المرتزقة واحدا تلو الآخر وكأنه يتخذ مكان الصنم فينحني أهل القرية إليه، هاتفين باسمه المخلص.  فيساءل، "من أنا؟ " تمتاز هذه اللحظات بأجواء هندية معروفة، وقد ذكرتني بمشاهد "شانكر" في فيلم "الجمرة" حيث تم إطعامه الجمر وذبحه ورميه من قمة الجبل، يتكرر هذا المشهد في أفلام البطل شاه روخ خان  بنفس إيقاع الموسيقى، مع تغيير بسيط في ريتم الأحداث. بعد هذه السلسلة من المشاهد يأتي قطع بطيء ينقلنا إلى صخب مومباي من خلال لقطات مؤطرة ومفرغة، تبرز صورًا مختلفة بين محطة القطار وحياة الناس في الشارع، ثم في لقطة مقربة، نرى رجلاً يتنكر في زي عجوز وهو يصعد إلى القطار ببطء شديد، يقترب التصوير في لقطة قريبة جداً، مُظهِرًا وجهه وفي هذه اللحظة نرى البطل شاروخان وهو يغمز للمشاهدين. تضع الكاميرا الجمهور في زاوية تجعله يشارك في سلسلة من اللقطات التي تبرز فريقًا من الفتيات المسلحات يخططن لاختطاف قطار سريع وحجز الرهائن، ويتضح فيما بعد أن رئيسهن هو "فيكرام راثور"، الذي قام بخطف ركاب القطار، بمن فيهم ابنة تاجر الأسلحة والقاتل المشهور" كالي" الذي ورط معه وزير الزراعة ووزير الصحة ووزراء آخرين. يأتي بعد هذا المشهد لاحقًا تفسير لسبب اختطاف شخصيات هامة ضمن الركاب، الذي كان مخططًا له، يبدأ المختطف الذي أطلق على نفسه اسم "فيكرام راثور"، الذي قام بدوره الممثل شاروخان، بسرد الأحداث وتوضيح ما وراءها، يكون ذلك بيانًا موجزًا لمنطق الفيلم، حيث يكشف أن الفريق المختطف ليس فريقًا إرهابيًا، بل هم أبطال الخير. يُظهر "فيكرام راثور" الشر الذي يكمن في أن وزير الصحة الذي قتل الأطفال ووزير الزراعة الذي شرّد المزارعين من أراضيهم وكان سببًا في انتحارهم. تعتبر هذه الأفكار المحورية مستوحاة من الفساد الحكومي الذي يواجهه الشعب الهندي ونظرًا لأن هذه التجربة هي الأولى للمخرج، نجح في دمج هذه المواضيع والأساليب في قصة مثيرة ومؤثرة.    يعد هذا الفيلم الهندي الأول الذي يجمع بين أساليب متعددة في عمل واحد حيث يركز على العلاقة المعقدة بين "أزاد"، الذي يقوم بدوره الممثل شاروخان وهو مربي مسؤول في سجن نسائي نشأ فيه بعد وفاة والدته - التي أدت دورها الممثلة ديبيكا بادوكون، و"كالي" تاجر الأسلحة الذي أدى دوره الممثل فيجاي سيثوباثي، ويتناول العمل أيضًا العلاقة بين "أزاد" ونفسه، حيث يجسد شخصية "فيكرام راثور"، الأب الحقيقي "لأزاد". يتضح في الفيلم استخدام عدة صور مزدوجة، حيث تظهر الانعكاسات في اللقطات والمشاهد المختلفة بين أداء شاروخان كـ "أزاد" وشخصية "فيكرام راثور"، مع تحديد الأسلوب والإثارة على وجه مختلف ولا سيما  دور "راثور" من حيث اللباس وطريقة تحركه والإكسسوارات القتالية وحتى تداخل استخدام السيجارة، يعزز ذلك من تفاصيل الشخصيات ويعزز تأثيرها على المشاهد. يستخدم المخرج على نحو ممتاز لغة الجسد لتعزيز تأثير شخصية "فيكرام راثور"، وهو ما يُظهر قوة اللغة البصرية في توجيه السرد وجذب انتباه المشاهدين حتى نهاية الفيلم. تبرز التقنيات البصرية والصوتية تقديم تجربة سينمائية هندية فريدة، مع استخدام فني يعزز التفاعل العاطفي بين الشخصيات بتتابع وإيقاع مرن، ومع ذلك يتضح في الموازنة بين مشهدين أن الفيلم قد استعار بعض المشاهد من أفلام شاروخان السابقة. على سبيل المثال مشهد "فيكرام تاكور" الذي التقط بتقنية الفلاش باك، حيث كان جنديًا سابقًا ورقصه مع زوجته الممثلة ديبيكا بادوكون وقتاله مع تاجر الأسلحة "كالي" يشبه مشهدًا من فيلم "أرمي". الاختلاف هنا يكمن في نهاية الأحداث حيث يموت البطل في "أرمي" وتنتقم زوجته بينما تموت الزوجة هنا وينتقم الزوج، كما يظهر أن فريق الجنود المرتزقة في "أرمي" هو نفسه فريق السجينات الفتيات، حتى المكياج واللوك الذي ظهر به شاروخان لا يختلفان كثيرًا عن فيلم "أرمي"، ولا سيما الشارب والبدلة العسكرية. تظهر الموازنة بين مشهد سقوط "فيكرام راثور" من الطائرة نحو الواد، بسبب طلق ناري من "كالي"، ومشهد سقوط "شانكار" من فوق الجبل، بسبب "الملك راجا" في فيلم "الجمرة" وحتى المشهد الأول عندما وجدوه جريحًا مغمى عليه، هي مشاهد متشابهة.  يمكن أن يكون هذا الأمر مصدر خيبة أمل إلى دارسي الأفلام، حيث يظهر تكرار بعض اللقطات والمشاهد من أفلام سابقة في أفلام حديثة. رغم ذلك فإن التقنيات المتناغمة للإخراج والتصوير والموسيقى والإضاءة، تعكس حياة الشخصيات على نحو منسجم، وأداء الممثلين ينجحون في تجسيد شخصياتهم بطريقة تلامس عمق المشاهدين دون ملل. حيث تنتهي الحكاية بصورة تترك بصمة لا تنسى في نفوس المشاهدين، يظهر ذلك بشكل جيد في إبراز أهمية الجهد السينمائي في نقل رسائل سياسية متقنة تسلط الضوء على قضايا هامة مثل الفساد الحكومي.

مشاركة :