شيخة الجابري تكتب: احترسوا من البعوض

  • 1/15/2024
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ينتشر ويتكاثر بسرعة وبطريقة مرعبة، تطوف الواحدة منه حولك فتقفز من مكانك بحثاً عن مأمن من مداهمتها الشريرة، بعوض الزمن هذا لديه ذكاء اصطناعي خارق يشعر بك ويبحث عنك، كأنما هو شارلوك هولمز يبحث عن مجرم يسعى للقبض عليه، لسعات هذا البعوض عند هجومه الشرس على الأجساد تخلّف مشاهد مخيفة يعاني منها المصاب لأيام وهو ما بين آهةٍ وحكّةٍ تثير الحنق، وتبعث على الشفقة. تُشبه هذه اللسعات سلوكيات بعض البشر من حولنا، خاصة بعض أولئك الذين يُشعرونك بأنك الأقرب إليهم، وأن الحياة والحركة لن يستقيما دون وجودهما في حياتك ومحيطك، وأن أشياء كثيرة سوف تتوقف إن لم تلتقيهم كل يوم، أو يحادثونك كل دقيقة، يعرفون خباياك وتعرف حركاتهم وسكونهم كالبعوضة تماماً حين تتسلل داخل فراشك عندما تأوي إليه ليلاً لتمارس هوايتها في التلذذ بلسع جلدك لسعات لا تشعر بها إلاّ عندما تصحو صباحاً فتجد الآثار المخيفة، كتلك التي يتركها بعض أولئك الصنف من البشر المُحبين، المتلوّنين من حولك. قد يظن بعض من يقرأ أنني أبالغ في الوصف وربط العلاقة بين السلوك البعوضي والبشري، غير أن الركون إلى لحظات من التفكير سوف تضعكم في عينِ الحالة التي يعرف تأثيراتها النفسية كل من تعرّض للسعات من الصنفين البعوض والبشر اللذين من الغرابة أن تجد هذا التوافق الشديد بينهما في المباغتة والغدرِ والتلوّن وسوء السلوك، لذا حين تفكر في مواجهة أحدهما لن تتمكن من التعامل معه بسهولة حيث لديهما ميزة التحرك السريع والهروب من الحقيقة ومن الواقع، فلا نعجب إن قضى المرؤ منّا ساعات لملاحقة بعوضة، وأعوام طويلة لاكتشاف غدر صديق، أو خيانة مُحب. ما يثير الغرابة أن البعوض يتكاثر في فصل الشتاء وهو فصل بالنسبة للبشر مؤججٌ للحنين، ومثيرٌ للذكريات، يتقاطعان حتى في هذا لا يمكن تصور شاعرٍ لا يفزّز الشتاء قريحته، أو فنّان لا يستنفر البرد ريشته، تماماً كاستنفاركَ حينما تعبر بعوضةٌ أمام ناظريك، وقريباً جداً من الظاهر والمخفيِّ من جلدك، تجعلك تدورُ حول نفسك باحثاً عن أثرها عليك، مثلما يشعرُ قلبك بوخزات الحنين، ولسعاتِ الشوق في ليلٍ عصيٍ على الرحيل. احترسوا من البعوض، ومن الرضوض التي يخلّفها تصرف لا إنساني من إنسانٍ كان هو الأصدق والأعذب والأنقى، وإذا به يتغير مع تغيّر الفصول وتبدلها ليأتي متسللاً كالبعوضة ذات هجوم وانقضاض عنيف، مع كل التقدير للبعوضة التي ألهمتني موضوع هذا اليوم، ودمتم.

مشاركة :