قد قيل «إن اختلاف الرأي لا يُفسدُ للود قضية»، قولٌ كنا نتداوله عندما يحدث خلاف أو اختلاف أو علّةٌ مؤقتة في علاقة ما، يشوبها الخلل فتصير القطيعة، ويحدث الانفصال وتغضب القلوب، لكنها سرعان ما ترضى وتعود تنبض بالود من جديد، وكأن شيئاً لم يكن. هذا كان في زمن ما، وناس آخرون يعرفون قيمة العلاقات الإنسانية النبيلة ويحفظون الود، أما في زمننا هذا الذي اختلّت فيه الكثير من القيم والمعايير الأخلاقية، فإن أقرب حلٍ لمشكلة عابرة هو اللجوء إلى أطراف خارجية تزيد الطين بلّة للأسف. أعتقد أننا نعيش زمناً لا يعرف فيه بعضنا معنى أن نختلف، أن نصنع مساراً جديداً للحوار، وأن نبحث عن ضوء مختلف قادر على أن يبعث لنا طاقة أمل في المستقبل، في طريق حين نعبره لا يواجهنا الظلام. وإن واجهنا، نتعلم كيف يمكننا اشتقاق طريق معبّد من خلاله. نحن قوم لا يعرف بعضنا قيمةً للاختلاف، أو فضيلةً لتنوع وجهات النظر أو تعددها. مازلنا ندور في حلقة «إن لم تكن معي فأنت ضدي»، حتى على مستوى الأسرة التي إن اختلف أفرادها تطاحنت قلوب، وتفرّقت أرواح هي أقرب إلى بعضها من سواها، ليحدث الخصام فتنهار علاقات وصِلات دم عزيزة، ويصير الإنسان إلى سراب لا يدرك من أين يبدأ وإلى أين ينتهي. إن عدم الوعي يصل بالمرء إلى طرق مسدودة سواء في العمل أو الأسرة أو المحيط القريب. فالاختلاف الذي يصحبه عدم فهم يُعتبر مشكلة كبيرة قد تؤدي إلى هدم منازل وتقطيع صلة الرحم، إن لم يستوعب المختلفون معنى هذه الكلمة، وكيف يمكن أن تكون طريقاً ممهّداً للوصول إلى اتفاق حول أشياء نبيلة هي حولنا، غير أن عين الغضب لا تراها، وقلب الرضى قد غضّ الطرفَ عنها، لذا تتفاقم المشكلات، ويخسر كل منّا قلباً يحبه، أو شقيقاً هو في الحقيقة عضده وروحه المتصلة بالدم قطرة إثر قطرة. نعلم تماماً أن عدم الفهم يؤدي إلى عواقب وخيمة، وقلّة الصبر تسير بالمرء إلى دروب شائكة، وتداخل الآراء يُفاقم كل شيء حتى القلوب الطيبة يُغلقها، ويضع على بصرها غشاوة من عناد، وإصرار على القطيعة. إن حولنا من الصّحب والأحبة مَن يعجز أمام آلامه، فكُن له السكن والسكينة والأمان والطمأنينة، قِس على حاجتك وافعلْ، لا تتركه، بل كُنه، حاوره، استمع إليه، خذه بصبر المُحب، وكُن له أحد مصادر الضوء.. تكُن مُحـبـاً صادقاً وأكثر.
مشاركة :