قادني القدر لأن أصل إلى أمستردام، قبل يومين من تفجيرات بروكسل الأخيرة، والتي استهدفت المطار أولا، ثم إحدى محطات القطار، وأحبطت أخريات.. لذلك، كانت واضحة ملامح التشدد في الإجراءات الأمنية، والأسئلة الاستقصائية غير المنتهية، والاتهامات المبطنة، لنا نحن العرب على وجه التحديد، بل إن ماهية التعاطي معنا مختلفة، وكل هذا مفهوم، ومقبول على مضض، لاعتبارات متنوعة. حسب جدول رحلتي، كان يفترض أن أتجه إلى بروكسل صباح اليوم الذي بدأ بالتفجيرات، وكانت قهوته الإرهاب، لكن الأخبار هي من غيرت من اتجاه المدن، فاضطررت لإلغاء الفكرة، والبقاء أكثر في مدينة الحياة أمستردام، التي ارتدت الأمن المضاعف، وصار كل شيء متوجسا وخائفا، والنظرات توزع التهم، خاصة أنهم يميزوننا من سحناتنا، ويرمقوننا بحذر، حتى صارت كل الأشياء تحاط بالتوتر. لا أعرف إن كنت محظوظا أو لا، قد أكون ذلك لعدم سفري في نفس اليوم، والنجاة من مسلسل الدم، وغير ذلك لأنني لم أذهب، ولم تسر التفاصيل كما هو مخطط لها، وصرت في سيناريو مزعج، محاط بمعطيات مخيفة، مترامية ومتشعبة، في مخيلتي ورؤى المنطق.. وفي خضم هذه التقاطعات؛ سألت نفسي: لماذا يتهموننا؟! السؤال لم يكن عاديا، ولم تقتصر أجزاؤه على إجابة فردية، بل هو إرث تراكمي، تشترك فيه أطراف كثيرة، منها ما تعي ذلك، وغيرها غير واعية، أو تتعمد "اللا وعي"، ولكني وصلت لعدة نتائج، تتمثل في التالي: أولا: على الرغم من ثبوت تورط إيران في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبشكل رسمي، إلا أننا لا زلنا نفشل في إقناع الداخل الأميركي، أو المتلقي الأجنبي بشكل عام، بعدم ارتباطنا بهذه العمليات الإرهابية، وانتقالنا من مستوى تحسين الصورة، إلى الدفاع عنها، لأننا أصبحنا مستهدفين بشكل علني وواضح، خاصة بعد النتائج الرسمية الأميركية. ولا زلنا نحتاج الكثير من الأدوات الإعلامية، والرؤى الحديثة، لتوظيف المعطيات العصرية، وتغيير لغة الخطاب، وهذا غائب تماما! ثانيا: بمصاحبة كل هذا الانفتاح التقني، والتواصل المعلوماتي، ما نزال لم نجب عن كثير من الأسئلة في مخيلات الآخرين، الذين يتعاملون معنا كصناديق مغلقة، بانطباعات مسبقة، وأحكام غير حيادية، مع عدم وجود المنابر التي تساعدهم على تغيير هذه الرؤى والآراء، ونحن مسؤولون بالكامل عن غياب المعلومة والفكرة، حتى لو اعتبرنا بوجوب البحث عن الحقيقة لديهم، إلا أن هذا لا يعفينا من العمل الرئيس، المتمثل بالانفتاح أكثر، ومنح المعلومات تفصيلات أكبر، وإجابات مقنعة. ثالثا: تمدد الجماعات المتطرفة في المنطقة، التي يزعم - معظمها - بانتمائه لنا، مع وجود شخصيات (إسلاموية) تعمل على إذكائها، وتحاول بمناسبة وغير مناسبة، وبمباشرة وغير مباشرة، منح الدعم لها، سواء عبر التصريح بالتأييد، أو التلميح به، أو حتى من خلال محاولة زرع الفتنة الطائفية، والقفز على الأوطان بالشعارات المذهبية، واستغلال الأزمات لتحقيق أهدافهم التخريبية، مع تهاون بعض الحكومات في التعاطي الجاد معهم، ووقف تمددهم، فكريا وحركيا وإعلاميا. أخيراً.. خير وسيلة للدفاع، هي الهجوم، فما بالك لو كنت متقدما بالنتيجة، فالهجوم المضاعف سمينحك تجاوز فكرة الفوز، إلى البحث عن الأرقام القياسية! والسلام
مشاركة :