'بندير لالة' يحيي تراث فن الحضرة النسوية بالمغرب

  • 1/25/2024
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الرباط - تنطلق فكرة فيلم "بندير لالة"، للمخرج المغربي أحمد القادري من الرغبة في إعادة منح بندير جدة الذي ظل معلقا على جدران البيت منذ وفاتها ولسنوات طويلة، مع إمكانية استعادة وجوده في الحياة وفي جلسات الحضرة الصوفية النسوية بمدينة سلا. تم تتويج "بندير لالة" بالجائزة الكبرى لمهرجان طنجة زووم للسينما الاجتماعية خلال دورته العاشرة في شهر دجنبر/ كانون الأول المنصرم وفيما يلي حوار مع المخرج المغربي أحمد القادري حول فيلمه الوثائقي "بندير لالة": عن ماذا تتحدث فكرة فلمك الوثائقي؟ تنطلقُ فكرة فيلم "بندير لالة" من الرّغبة في إعادة منح بندير جدّتي الذي ظلّ مُعلقا على جُدران البيت مُنذ وفاتها لسنوات طويلة، وإمكانية استعادة وجوده في الحياة وفي جلسات الحضرة الصوفية النسوية بمدينة سلا. كيف يعكسُ الفيلم العلاقة بين الفُضول واكتشاف الهوية الشخصية؟ فِعلا، الفُضول هو الذي قادَني إلى طرْح السّؤال عن سببِ وجُود هذه الآلة الموسيقية "البندير" مُعلّقة على الحائِط داخل مكتبة الوالد،  فقد كان وجودُه غريبا بالنسبة لي، فهو جِسمٌ مختلف بين اللوحات التّشكيلية وبعض الصور الفوتوغرافية وحاجيات أخرى معرُوضة على جُدران مكتبة تعُجّ برفوف الوثائق والكتب. ولا شكّ أنّ أجوبة الوالد الرّامية إلى تبْدِيد هذا الفضُول، هي التي أنارت لي تاريخ هذا البندير والمسار الذي قطعَه إلى أنْ صار مُعلّقا أو مشنوقا على الجدار، فيما كان من قبل يعيشُ حياةً فنيّة وموسيقية عندما كانت جدتي على قيْد الحياة، مُشاركةً في فِرقة للحضْرة النسوية بمدينة سلا المجاورة، كما هو معروف في مدينة الرباط. ما هي الدور الحيوي الذي لعبه سؤال "أحمد" لوالده حول آلة البندير في توجيه القصة وكشف الأسرار؟ من خِلال الحِوار الذي أجريتُه مع الوالد، فهِمتُ لماذا اختار أنْ يُعلّق هذا البندير على حائِط مكتبته، فقد أراده أنْ يكون ذِكرىً طيّبة يستحضرُ من خِلالها الدّور البارز الذي قامت به والدتُه وعددٌ آخر من النّسوة من أجل الحِفاظ على فنّ الحَضرة الصّوفية النّسوية كتُـراث لا مادّي. وكما تفّضلت بذلك في سُؤالك، فقد كان البنديرُ كاشفًا للأسرار والأخبار التي عاشها هذا الفنّ في مدينة سلا، والذي لا تخلُو منه المناسبات والاحتفالات الدينية والصّوفية التي تُقام في هذه المدينة العتيقة والحافلة بفُنُونها التراثية. ولا أبالغ إذا قلت لك بأن البندير هو الشخصية المحورية في هذا الشريط، حيث نراه في البداية مُعلّقا على الجدار في حالة عطالة، غير أنّه لاحقا يتخلّص من هذه العطالة ليستعيدَ دوره و وجوده في فضاء "الزاوية" بين يديْ نساء الحضرة. كيف استخدمت كمخرج تجاربَ النساء لتسليط الضّوء على تطوّر الحياة والثقافة في المجتمع؟ يحرصُ الفلم على إضاءة جانب من حياة النساء في مدينة سلا، التي انتعش فنّ الحضرة في أضرحتها ومقاماتها الصوفية والدينية، بل وحتّى داخل بيوتاتها التقليدية، كما أنّ الشريط يكشفُ الطقوس التي ترافقُ جلساتِ الحضرة النسوية، حيث قُمت بتسجيل مشاهد حيّة من هذه الطقوس والعادات داخل فضاء الزاوية القادرية بمدينة سلا، وهو المكان الذي عاشت فيه جدّتي صاحبة البندير، وكان يحتضنُ خلال شهر صفر من كلّ سنة هجرية جلسات نسوية يتغنّين فيها بشمائل الرسول وخصاله ويتشوّقن لزيارة بيت الله الحرام والمسجد النبوي.  وبذلك فإنّ الفلم صوّر لحظاتٍ من حياة نساء مدينتي خلال مُمارستهن لهذا الفنّ الصوفي، إذ يعتبر أحدَ التعبيرات الفنية و الموسيقية الأصيلة الذي أتاح للنساء التعبير عن معتقداتهن الدينية ومشاعرهن الروحية. ما هي العناصر البصرية والسمعية التي استخدمتها لتعزيز تأثير الفيلم الوثائقي وجعله أكثر عمقًا؟ بخصُوص العناصر البصرية، فقد قمتُ بتصوير بعض مشاهد الفلم في مكتبة الوالد حيث كان يعيش البندير، ومن جِهة أخرى، في الزّاوية القادرية ضمن جلسة للحضرة النّسوية الصوفية، وكأنني أردتُ بذلك أنْ أبرزَ حالة الانتقال التي عاشتها هذه الآلة الموسيقية الشعبية، بين حالة عطالة كانت تعيشُها وحالة انبعاث واستعادة الحياة.  أما من الناحية السمعية، فقد عزّزتُ الشريط بقصيدة للشاعر المغربي مراد القادري، يتحدّث فيها البندير بصوته، يحكي فيها قِصّته الحزينة وكيف أنه تعب من حالة العطالة على الجدار، ويتطلّع إلى العودة للحياة من جديد، وهو ما يظهر بوضوح في ختام الفلم عندما تتسلّم البندير فتاةٌ صغيرة في إشارة لاستمرارية حضور الحضرة النسوية في القادم من الأيام كفنّ و تراث غير  قابل للزوال أو الاندثار. نحن نعلم أن شريط " بندير لالة" تم إنجازه ضمن الورشة الثالثة لبرنامج سلا دوك. هل يمكن أن تعطينا فكرة عن هذا البرنامج؟ فعلا، مشروع "سلا دوك" هو برنامج تدريبي في كتابة وإخراج الأفلام الوثائقية القصيرة، يتم خلاله تدريب المشاركين والمشاركات أقل من30 سنة على جماليات وتقنيات كتابة الفيلم الوثائقي الإبداعي، في هذه الدورة رافقنا مدربون محليون ودوليون في إنشاء أول عمل حول موضوع المدينة وسكانها، كما سعدنا باقتسام تجارب هامة في 3 مراحل: وهي تدريب على الكتابة مع محترفي الأفلام الوثائقية، ثم تطوير كتابة مشاريع الإقامة، وختاما الإخراج وما بعد الإنتاج، ولقد تلقى البرنامج 42 مشروعًا وثائقيًا قصيرًا حول مدينة سلا، تم اختيار 12 ضمنهم مشروع شريط “بندير لالة". كيف تلقيتم الصدى الطيب الذي خلّفه حضور فلم " بندير لالة" ومشاركته في بعض المهرجانات المحلية والدولية؟ لا يمكن لي إلا أن أكون سعيدا بالاحتفاء الذي لقيه أول شريط وثائقي لي، فعلى المستوى الوطني، حضر الفلم في عدد من المهرجانات السينمائية هنا بالمغرب، وحظي بتنويه خاص من لجنة تحكيم الدورة 15 للمهرجان الوطني لسينما الهواة بسطات خلال شهر دجنبر/كانون الأول 2023 وتمّ تتويجُه في نفس الشهر بالجائزة الكبرى في مهرجان طنجة زوم. أما على المستوى العربي، فقد مثّل الشريط بلدي المغرب في المسابقة الدولية للمهرجان الدولي لفيلم الهواة بقليبية بتونس، الذي نظمته الجامعة التّونسيّة للسّينيمائيّين بدعم من وزارة الشؤون الثقافية والمركز الوطني للسينما والصورة وبالتعاون مع بلدية مدينة قليبية، وذلك من 19 إلى 26 غشت/اب 2023. أما برسم سنة 2024 ، فأنا فخور بكون شريط "بندير لالة" حظي بالمشاركة في تظاهرتين دوليتين، الأولى بمهرجان رويال تشانس السينمائي في لوس أنجلوس الذي سيعقد في الفترة من 1 إلى 3 فبراير/شباط 2024، وفي مهرجان سينيفليا فيير السينمائي الدولي في باكستان الذي تمّ تنظيمه  من 1 إلى 20 يناير/كانون الثاني 2024. حدثنا عن أعمالك القادمة؟ هناك مشروع شريط وثائقي سيرى النور قريبا بحول الله، أتمنى أن يكون حظه شبيها بحظ" بندير لالة" أو أكثر.

مشاركة :