كلما انتشرت أفكار وثقافة الشعوذة في المجتمعات كان ذلك مؤشرا قويا على دلالة انخفاض مستوى الوعي والتعليم والثقافة في تلك المجتمعات، ولكن الغريب أن مجتمعنا يصر على رفض تلك المقولة بواقع مختلف حيث مع ارتفاع مستوى التعليم نجد في المقابل ايضا اتساعا وانتشارا واضحا لثقافة الشعوذ والدجل.. من المفارقات الغريبة ان كثيرا من المتعلمين من الجنسين رجالا ونساء وإن كانت النساء حسب المؤشرات اكثر ما زالوا يؤمنون بكثير من ثقافة الدجل بل والتعاطي معها.. بأشكال مختلفة مثل الذهاب للرقاة بشكل مبالغ فيه.. بل ورفض العلاج الطبي احيانا والاكتفاء بالعلاج الشعبي.. الإشكال في انتشار ثقافة الدجل ان بعض ذيولها تداخلت بشكل او آخر مع المؤسسة الرسمية من خلال بعض المواقف الشاذة من اصحابها مثل القاضي الذي ادعى سيطرة جني عليه بهدف تخفيف الحكم عليه..! وتزداد خطورة الامر بتشكيل هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لادارة مختصة بفك السحر.. في منظومتها الادارية.. ومن حيث المبدأ أتفق مع من يرى ان الهيئة تخطو نحو التغيير والاصلاح للارتقاء بعملها ولكن اتحفظ على تخصيص وحدة لفك السحر..! نعم في ذلك تعميق لثقافة الشعوذة في ضمير المجتمع السعودي وتأكيد على اتساعه.. وبصراحة مجتمعنا يعاني من انتشار تلك الثقافة اكثر مما يجب.. ايضا اعلامنا بات يشارك في تعزيز تلك الثقافة بطرق متنوعة.. سواء بلقاء من يتعاطون مع هذا النوع من العلاج او مع المعالجين او عرض حالات علاج مباشرة تدعي إخراج الجن وفك السحر.. وخلافه... وهنا لا اريد ان يعتقد البعض رفضي الايمان بوجود الجن او السحر او الحسد فما ذكر في القرآن لا مجال لانكاره ولكن ما يرفضه العقل هو اتساع مساحة تلك الثقافة وتجاوزها كل الخطوط الحمراء لدرجة ان دكاكين بعض الرقاة باتت مرتعا لضعاف النفوس.. وزاد التحرش بالنساء المتعالجات بشكل سافر ويكشف إحساسهم بالتمكن وتحقيق الرضا والقبول المجتمعي.. وعدم خوفهم من الجهات الرسمية والتي كما يبدو مازالت تنظر لهم بعين الرضا رغم كثرة الكلام غير الايجابي عنهم وعما يحدث في دكاكينهم التي يدعون انها عيادات للعلاج بالقرآن ..! المؤكد ان بعضهم فعلا يعالج بالقرآن ويخشى الله ويعمل بما يرضي الله وعباده الطيبين.. ولكن للاسف البعض الاخر وهي نسبة غير قليلة يتجاوزون كل الخطوط والقيم الاجتماعية المتفق عليها.. باحثين تارة عن المال وتارة عن المتعة.. أتصور ان على الجهات المختصة وخاصة وزارة الصحة دورا مهما وكبيرا في مواجهة تلك المشكلة والعمل على كشف أقنعتهم بحيث يتم وبقوة اغلاق محلاتهم مع اي مخالفة سواء اخلاقية او علاجية فكم من مراجع عندهم اصابته امراض خطيرة بسبب أعشابهم المسببة للتسمم وامراض الكلى والكبد على وجه الخصوص وعدم السماح لهم اساسا بفتح عياداتهم الا بترخيص حكومي.. ايضا على وسائل الاعلام عموما التعامل معهم وفق منظور يكشفهم ويعري اخطاءهم ويرفع من ثقافة الافراد بما يكفل الوقاية من شعوذتهم ودجلهم.. خاصة وان بعضنا للاسف متشرب بقوة لافكارهم ومقتنع بهم الى درجة ان البعض مع كل مشكلة اسرية او صحية او عملية تجده يذهب مباشرة لهم بحثا عن علاج باعتباره مسحورا او محسودا او ممسوسا.. دون بحث او اعتبار للاسباب الحقيقية خاصة في حال وجود مرض نفسي او عقلي وتمكن المرض من المريض حيث تشارك الاسرة في مقاومة الاعتراف بالمرض والهروب من المواجهة الى حيث ثقافة الدجل والشعوذة.. مع ان المرض النفسي ليس عارا بل مرض مثل غيره.. الشاهد في كل ذلك ضرورة مواجهة المشكلة بقوة وصرامة النظام فدكاكينهم باتت تحمل تنوعا في العلاج والجنسيات للاسف فقد اصبحت تجارة رائجة ولا تخضع لاي نظام او ان النظام في سبات..
مشاركة :