من أهم الأمور التي تلعب دوراً كبيراً في بناء ذاتك، ويكون لها أثر في تحديد مستقبلك، الذي تريد الوصول إليه، هو الاستفادة من الفرص المتاحة أمامك. حياة الناس مملوءة بالتجارب والأفكار والمواقف، التي غيَّرت واقعهم، وكوَّنت لهم مستقبلاً أفضل، وأنت في صناعة واقعك، وبناء مستقبلك، تحتاج إلى أن تكون بصيراً بها. هناك عديد من التجارب التي نسمع بها، ونتفاعل معها، ونتحدث عنها أمام الناس، ونتداولها في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي، حول الكفاح والقوة والشجاعة والمبادرة والمهنية في اتخاذ القرارات المصيرية، ناهيك عن تلك الكتب والمؤلفات والبرامج التليفزيونية والدورات التدريبية، التي تلعب نفس الدور، ولكن: كم شخصاً في العالم استفاد من هذه التجارب، ومزج بينها وبين الواقع، وأخذ زمام المبادرة، وعزز قوته وجهده من أجل أن يكوِّن له تجربة رائدة يستفيد منها في المستقبل؟! في ثقافتنا العربية «نتبرَّم» كثيراً من الواقع، ونتفنَّن في اغتيال الإبداع، ونتصنَّع الأعذار، ونخلق لأنفسنا المشكلات، ونخدعها، ونبرِّر كل ذلك بأعذار واهية، بينما توجيهات الإسلام تدفع الإنسان إلى اكتشاف الكون، وتحفِّز قدراته الذاتية والعملية، وتدعوه إلى توظيف مواهبه توظيفاً حضارياً، وتهتم بالبيئة المشجعة على التقدم والإبداع. كنت مع زملاء العمل في برنامج تدريبي بمدينة الخبر، وفي إحدى الجلسات الحوارية، طرحت الدكتورة سؤالاً عن نقطة التحول، ورحلة اكتشاف الذات التي كان لها أثر في حياة كل واحد من المشاركين، وطلبت من كل واحد منهم الخروج والتحدث عنها أمام الجميع. أحد الزملاء اليمنيين تحدث عن تجربته التعليمية، والغربة خارج حدود الوطن، والبعد عن الأهل والأصدقاء من أجل الحصول على الشهادة الأكاديمية، وعن شدة حبه وتأثره بشخصية والده، وكيف كان لوالده الأثر الكبير في دعم مسيرته التعليمية والوظيفية فيما بعد، ثم أضاف نقطة مهمة قد لا تحصل عند كثير من الناس، فقد أصيب والده بالشلل، وأصبح مقعداً لا يقوى على الحركة إلا بمساعدة أحد «وذلك بعد سفر زميلنا للدراسة بفترة قصيرة»، وقد أخفى أبوه مرضه عنه، وحذَّر أبناءه، وجميع أفراد أسرة بألا يفشوا حقيقة مرضه له حتى لا يتأثر مستواه الدراسي. يقول زميلنا حتى عندما كنت أتحدث مع والدي عبر الهاتف والمراسلات آنذاك كان يتكلم معي بشكل طبيعي جداً، ويشجعني ويدفعني للعلم دون أن ألحظ أي مرض، أو أي طارئ صحي عليه. تختلف المواقف والتجارب والأفكار، ولكن الناجحين في الحياة هم وحدهم فقط الذين استفادوا من واقعهم، وغيَّروا حياتهم بما يتناسب مع أفكارهم و طموحاتهم.
مشاركة :