مهما يكن من أمر فلا أرى ضررًا أو إساءة للدعوة وصاحبها من استعمال هذا المصطلح بسبب انتشاره عالميًا، ولسنا في حاجة لإنكاره أو تدبيج الردود والرسائل في دحضه ورده شاركت في ندوة في أحد المراكز للدراسات والبحوث يوم 17/6/1437 بعنوان: تصحيح النظرة إلى السلفية السعودية من حيث علاقتها بالإرهاب. والمقصود بالسلفية السعودية هو الوهابية، لكن المركز تجنب المصطلح، واختار السلفية السعودية، وقد عرضتُ في الندوة خطورة استعمال السلفية السعودية، لأن السلفية واحدة، والاختلاف هو في المذاهب الإسلامية. وحيث رأيت ترددًا وربما سوء سبر لتاريخ المصطلح أردت في هذا الحديث تحريره. تحرير مصطلح الوهابية ليس الهدف منه التخلص من استعمال كلمة وهابية، التي أضحت اسماً على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1115/1703 – 1206/ 1792) وهي الدعوة التي ظهرت في نجد في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، فإن هذه الكلمة انتشرت وشاعت وأضحت اسمًا لدعوة الشيخ محمد. وفي ظني أن الدعوة في بداية بروزها في وسط نجدي محافظ وُصفت من قِبل أتباعها بصفة حركة أو دعوة، ولتكون هذه الصفة تُعبر عن مكنون الدعوة وأهدافها. لكن الحال لم تكن سهلة أبدًا في وجه معارضة ومتاعب وعقبات ومشكلات سياسية، لم يكن من السهل التعامل معها من قِبل صاحب الدعوة نفسه، الذي لم يكن قد انغمس في عمل سياسي أو إعلامي قبل ذلك. وكان من الضروري أن يكون للدعوة اسم يُعبر عنها، لهذا انتشر بين أتباعها الأُول اسم: الدعوة السلفية، لكن مع زيادة الأتباع ووجود كاتب متمرس مثل ابن غنام بدأت تظهر أسماء أخرى مثل: الدعوة الإصلاحية، كما عُرف أتباعها بالموحدين، وهو الاسم المُحبب من قٍبل الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأبنائه وتلاميذه. وقد استعمل هذا الاسم أيضا رجال السياسة في الدولة السعودية الأولى مثل الإمام محمد بن سعود وابنه عبدالعزيز وغيرهما. أما مصطلح: الوهابية فقد ظهر في وقت قريب لتاريخ بروز الدعوة، وفي منطقتها الجغرافية. وكان بروز هذا المصطلح ومن ثم استعماله على نطاق ضيق إنما جاء من قبل معارضين أو متشككين. ولم يكن الأمر يستدعي القلق من هذا المصطلح في بداية سماعه في الدرعية، خصوصًا أن اسم دعوة الشيخ محمد أو حركة الشيخ محمد هي دعوة سلفية، رفعت شعار تنقية التوحيد، ولم تتصدّ لاجتهادات فقيه تجعلها تتصف بمبادئ مذهب جديد، يختلف عن المذهب الحنبلي السائد في بلدات نجد آنذاك. ما يجعل اللجوء إلى اسم أو مصطلح أمرا ضروريا لتمييزها عن الحنبلية. وهذا الوضع تحدث عنه رحالة أوروبي ليس لديه انحياز لأي مذهب أو دعوة إسلامية، فقال بروكهارت: لم تكن مبادئ محمد بن عبدالوهاب مبادئ ديانة، بل كانت جهودا لإصلاح المفاسد التي تفشت بين المسلمين، ونشر العقيدة الصافية. وأنا لا أستبعد أن بعض أوائل المرتحلين الأجانب، الذين كتبوا عن الدعوة وصاحبها، واستعملوا مصطلح الوهابية، أنهم سمعوا المصطلح في نجد، وأنه ليس من اختراعهم. فقد انتشر وتحدث به الناس، وورد في شعر للشاعر حميدان الشويعر (ت 1160 أو 1180/ 1747 أو 1766) القريب من منبت الدعوة ومعاصر لصاحبها. ولم يُصنف المؤلفون النجديون حميدان الشويعر من معارضي الدعوة، ولكنه شاعر ينطق بما يسمع على ألسنة العوام. والمنطق يقول إن بعضهم جاء للكتابة عن نجد كما يرى ويسمع، وليس من عملهم الواسع البحث والتحليل في مصطلحات أو مسميات. لابد والحال كما وصفت قد سمع بعضهم هذا الاسم على ألسنة بعض المعارضين أو العامة، ووجدوه معبرا ومحددا عن الدعوة، خصوصًا أن بعضهم كان منصفًا مثل السير هارفرد جونز بريدجز وغيره. ويأتي السيد أحمد زيني دحلان (1816-1886) أول عالم ومعارض للدعوة من خارج نجد ويطلق على كتابه عنوان: الدرر السنية في الرد على الوهابية. أما من خارج الجزيرة العربية فيأتي المؤرخ المصري عبدالرحمن الجبرتي (1167-1237/ 1754-1822) المعاصر لصاحب الدعوة والمتعاطف معها أيضا، فهو عندما يذكر الدولة السعودية الأولى أو دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب يستعمل مصطلح الوهابية أو كلمة الوهابي في كتابه تاريخ الجبرتي أو مظاهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس. أما من خارج العالم العربي فقد ورد مصطلح الوهابية في معظم كتابات المرتحلين الأوروبيين. وأول المرتحلين هو كارستن نيبور الرحالة الدنماركي الألماني (ت 1815) ففي كتابه: رحلات عبر الجزيرة العربية وأقطار أخرى في الشرق يستعمل مصطلح الوهابية. ونيبور هو أول من نقل خبر الدعوة وصاحبها وبعض المعلومات عن تاريخ الدولة السعودية الأولى إلى أوروبا. وأغلب الرحالة الأوروبيين عيال عليه في التعرف على الدعوة وصاحبها. وهكذا نجد المصطلح ينتشر وتتبناه دوائر رسمية مثل الباب العالي العثماني وبعض حكومات أوروبا. وقبل ختام هذا الحديث أشير إلى انتشار كتاب عنوانه: الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية للشيخ سليمان شقيق (ربما الشقيق الأكبر) صاحب الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فإن صح الخبر فيُعد الشيخ سليمان أول من استعمل المصطلح في عنوان في نجد. وتحرير المصطلح يستوجب الإشارة إلى أن المؤرخين السعوديين يتجنبون مصطلح الوهابية، ولعل المؤرخ عبدالرحمن الرويشد أول من نشر كتيبًا عام 1398/1978 جعل عنوانه: الوهابية: حركة الفكر والدولة الإسلامية. ومهما يكن من أمر فلا أرى ضررًا أو إساءة للدعوة وصاحبها من استعمال هذا المصطلح بسبب انتشاره عالميًا، ولسنا في حاجة لإنكاره أو تدبيج الردود والرسائل في دحضه ورده. وفي هذا الصدد فقد اطلعت على أطروحة دكتوراة عنوانها: لقب الوهابية وأثره في الصدّ عن الدعوة السلفية للباحث حسن معلم داود حاج محمد، أنجزها عام 1430 في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. جاءت الأطروحة في 283 صفحة. وهي مثال على استفراغ الجهد في لزوم ما لا يلزم، ذلك أن المصطلح لم يعد كما كان في أول خروجه. لهذا لا أرى كبير فائدة من تحاشي المصطلح.
مشاركة :