شيخة الجابري تكتب: وداعاً بدر الشعرِ وربّانه

  • 5/6/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

«مرّتني الدنيا بتسأل عن خبر» وجاء الخبر، وسالت الدموع، وبكت القلوب، واسترجعنا الزمان الذي مضى والذي نعيشه، ورفضنا «المسافة والسور والباب والحارس»، شرّعنا قلوبنا للحب، سافرنا على أجنحة الخيال مع المسافر الذي راح، وكم من مسافرٍ راح أخذنا الحزنُ عليه حتى اقتات على صبرنا، وقلوبنا التي أنهكها الشجّن. مرّت بنا الدنيا تسأل عن الأخبار، وإذا بها تحمل الوجع، وجع الرحيل، وأيّ رحيلٍ هذا الذي تبكيه القلوب من الماء إلى الماء، البدر أفل، والقصيدة توارت، وحدهُ صوت الحزن المشترك الذي يجمعنا، يتجاوز الحدود، ويتخطى المساحات الشاسعة من حولنا، تلك التي ناداها صوت البدر بن عبدالمحسن، الفارس الذي ترجل، وانتقل إلى الرفيق الأعلى، هالةٌ من الحزن توشحت قلوبنا التي عاش معها بدر الشعر أجمل تفاصيلها، وتقاسمت معهُ أعذب قصائده. الشاعر الكبير الذي اتفقت القلوب على حبّه، والمحاجر على وداعه، هو من كان صديقنا ورفيق أيامنا، القلبُ الأبيض الذي علّمنا الحب، والفرح، والتَقطَنا من ردهات وطرقات الألم ليأخذنا إلى دروب الأمل فأعطانا المحبة، وأهدانا صوته يناديني لنتذكر، ويا الله ما أقسى الذكريات حين تعود ومن عاشها معنا راحل إلى غير عودة، وهو الذي بثّ الدفء في قلوبنا فأوقدنا «جمرة غضى» في شتاء الهجر القارس، لنحيل الحياة إلى ربيع دائم، وعلّمنا فن الاعتذار الجميل في «أبعتذر»! رحل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن الذي اشتغل على القصيدة لأنه يحبها، لم يكن باحثاً عن الشهرة، ولا راغباً في مناصب أو تكريمات أو مداحاً فارغاً من الصدق، كان شاعراً استثنائياً مدهشاً، هو وحده مدرسة في كل أشكال القصيد الذي نَزف حتى قصيدته الوطنية كنّا نشعرُ بأنه يكتبها لأوطاننا جميعاً، هذا الشاعر الشامل الذي أرسى قواعد للحنين، وللشغف، وللشوق والتوق، والوجد بأشكاله الجوّالة في أرواحنا. بدر بن عبدالمحسن صاغ قصائد تجلّت فيها صورة المرأة أماً وزوجةً وحبيبةً ورفيقة درب وبنّاءة وطن، كان للمرأة حضور فاخرٌ في قصيدته، هو الشفّاف الذي سافر بالرياض وأخذ بيدها ليطوف بنا أرجاءها لنغني معه، «وين أحب الليله وين».. أيها البدر الذي أضاء قلوبنا بكلماته، وأنار دروبنا بمشاعره، أيها السخّي في كل شيءٍ إلاّ البقاء، ماذا فعل بنا رحيلك؟! إنه الرحيل الصعب والمؤلم، رحل الشاعر الفارق، صاحب التجربة التي لن تتكرر، مبتكر الكلمة، ونحّات اللغة، رحل الصوت الشجّي، والقلب الوفي، رحل رفيق أيامنا، وصديق مراحلنا العمرية، رحل من علّمنا أن نوقد الشموع بعد أن أطفأ شمعته الأخيرة، غفر الله له، وطيب ثراه

مشاركة :