يزعم الإنسان دومًا أنه على علم بكل شيء حتى تركيبه النفسي السيكولوجي، فهو يفسر تصرفات البشر وردود أفعالهم تجاه الأشخاص والأحداث طبقاً لهواه. وفي أحسن الأحوال طبقاً لعلمه المحدود جداً، والمبني على دراسات تعتمد أساساً على الملاحظة والتحري وقياس السلوكيات ضمن عيّنات من الناس ذات أحجام مختلفة وربما توزيعات وتصنيفات مختلفة. وعلوم الإنسان النفسية بُنيت على أُسس جاءت من عند الغرب أصلاً، كثير منها باطل، لكنه ترسَّخ في الوعي الإنساني بفضل بهرجة المتغلب وسطوة انتشاره العلمي وقوة مداه الإعلامي. والإعلام لا شك مُؤثِّر وفاعل، وله من السحر والغلبة ما قد لا يُتاح لغيره، حتى لو كان عسكريًا محضًا! ومهما بلغ تمكُّن المحتل عسكريًا، فلا بد له من سطوة إعلامية تحميه وتُرسِّخ وجوده. وعندما يكذب الإعلام، فإنه يُؤلم لدرجة أن يُصبح المُتأثِّر محزوناً، وهو يعلم أنه إعلامٌ يكذب، ومنبر يُزوِّر، وأداة تهدم، وبهتان ينتشر، وكذب لا حدود له. ولأن الله أعلم بعباده: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، فقد شاء أن يصيب شيء (بل كثير) من ذلك الكذب والزور والبهتان حتى الرسل والأنبياء والصالحين. إنه جزء من فلسفة الإفساد التي يُمارسها الإنسان حول العالم، وهي جزء من حتمية الصراع المستمر حتى قيام الساعة. ولذلك نزلت آيات من الذكر الحكيم تُطمئن النبي عليه السلام، وتشرح له تفاصيل المواقف (المخزية) التي يتّخذها أعداء الرسالة، باعتبارها جزءاً من رحى المعركة (الإعلامية) المتّقدة طبقاً للوسائل المتاحة آنذاك. في سورة الأنعام يقول الله عز وجل: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ* وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ). وللآيات الكريمات سبب للنزول حتماً، لكن الشاهد هو عموم السبب. أما العواقب والنتائج فحتمية أنها سنن لا تتبدل، وهي كامنة في الصبر أولًا وأخيرًا، فهو سلاح المؤمن البتّار وسبيله المضمون. تلكم عينة من أفعال النفوس والصدور لا تقر وجودها النظريات الحديثة التعامل معها فضلًا عن حسن التعامل معها. salem_sahab@hotmail.com
مشاركة :