رفض الفيديرالية الكردية بصفته امتداداً للوعي البعثي

  • 4/19/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا ينتاب بعض المعارضين السوريين أدنى درجات الخجل، حين يسردون المواعظ والنصائح على الكرد السوريين بضرورة القبول والإقرار والإذعان لتصوّراتهم حول «دولة المواطنة» والحقوق والمؤسسات التي يفترضونها على أنها المستقبل العتيد لسورية ما بعد نظام الأسد، بدلاً من السعي الكردي نحو الحكم الذاتي أو الفيديراليّة أو أي شكل من أشكال نظم الحكم والإدارة، ذات الخصوصيّة القوميّة التي يطرحها الأكراد!. ويسهب هؤلاء المعارضون في الحديث حول محاسن هذه الدولة الوطنيّة المفترضة، إلى جانب حديثهم عن معوّقعات ومحاذير ومخاطر الحكم الذاتي أو الفيديراليّة الكرديّة باعتبارها صنو الفتنة والتقسيم والانفصال المرفوض من قبلهم!. وأنه ليس أمام الكرد إلاّ الإيمان والتسليم بهذا الافتراض الذي يطرحونه، وكأنّهم يمتلكون تراكماً خبراتياً يعتدّ به، يتجاوز تجارب الدولة الوطنيّة في سويسرا، بلجيكا، وأميركا!، وبريئون تماماً من أي موروث بعثي، يرتدي لبوس الدين أو العلمنة واللبرلة!. علماً أن سورية، منذ الاستقلال سنة 1946 ولغاية اللحظة، لم تعش مرحلة وطنيّة، إلاّ بضع سنوات، منتصف الخمسينات. ولم تكن تلك السنوات الوطنية التي يصار الحديث عنها مراراً، مرحلة وطنية خالصة، مئة في المئة. بدليل أنها لم تصمد ولم تقاوم الزحف القومي الناصري سنة 1958، ثم الزحف القومي البعثي 1961-1963. مضافاً إلى ما سلف، هؤلاء، لا يمكنهم أقناع بعضهم البعض، حيال الدولة الوطنية التي يفترضونها، ويحاولون فرض «افتراضهم» هذا على الكرد السوريين!. ذلك أن مفهوم الوطنيّة أو المواطنة لديهم، ينحصر في التنكّر للهويّة والذات القوميّة، مع الاحتفاظ بأولويّة امتيازات الدين الإسلامي، في صياغة الدستور، باعتبار العرب هم الغالبيّة، والمسلمين هم الغالبيّة ضمن العرب. وعليه، الدولة الوطنيّة العتيدة المنشودة والمأمولة، لا مناص من أن تكون دولة عربيّة الهويّة والانتماء، مسلمة المذهب والتشريع. ومعلوم أن أي تدخّل للدين في التشريع والدستور وصياغة الدولة، سيدخل معه المذهب، ويمنح امتيازات لمكوّن وطني سوري على حساب مكوّن وطني آخر. ومع ذلك، هذا النمط أو الشكل من «الدولة الوطنيّة» أو «دولة المواطنة» التي يتجنّب أصحابها فصل الدين عن الدولة، وفصل الدولة عن الهويّة أو الامتياز القومي لمكوّن على آخر، برأي أصحابها، هي الصورة المثلى لسورية المستقبل. وليس أمام الكرد السوريين، إلاّ أن يصدّقوا افتراضات وتصوّرات هؤلاء المعارضين عن الدولة الوطنيّة الديموقراطيّة المدنيّة التعدديّة!. وفي حال شكك أحدهم في أحاديث وتحليلات وافتراضات المعارضة السوريّة، وبتجربتها وخبرتها في نظم الحكم والإدارة الوطنيّة الخالصة والناجزة التي يعتدّ بها؟!، لن ترى ردّاً سوى الويل والثبور، والتخوين والتكفير، يحاصره من كل حدبٍ وصوب!. وسترى المتحدّثين عن الدولة الوطنيّة أو دولة المواطنة والحقوق والعدالة الاجتماعيّة، يخلعون لغتهم الملائكيّة الوطنيّة، لتظهر تلك البطانة القومويّة - الإسلاميّة المتبعثنة إيّاها، التي تسببت في تدمير سورية واختطاف ثورة الحريّة والكرامة السوريّة. بالتوازي مع ما تمّ ذكره آنفاً، لا بأس من القول: إن تشبيه إقامة كيان كردي في العراق بأنه «إسرائيل ثانية» هي فذلكة بعثيّة صرفة، تعود بجذورها إلى مطلع الستينات. واجترّ نظام البعث الحاكم في سورية هذا التشبيه - الفذلكة، لحين استلام الأسد الابن السلطة، حتى أكثر من إعلام البعث العراقي نفسه الذي كان في حالة تصادم دموي مع كرد العراق!. هذا التشبيه البعثي لأي طموح كردي، وربطه بإسرائيل، بهدف زيادة جرعة التأليب والكراهية تجاه الكرد وطموحاتهم، انتقل من النظام السوري إلى معارضته الإسلاميّة واليساريّة أيضاً، حتى قبل اندلاع الثورة السورية بكثير. وبعد اندلاع الثورة، تخلّى نظام الأسد نفسه، عن وصف كردستان العراق بـ»إسرائيل الثانية»، بينما بقي المعارضون المفترضون لنظام الأسد، أمناء ومخلصين ومحافظين على ذلك التشبيه، ويحاولون إسباغه على أي مكسب أو طموح سياسي إداري كردي في سورية، على أنه مرفوض من قبلهم، باعتباره «إسرائيل ثانية» في شمال سورية. إذا كان سلوك «حزب الاتحاد الديموقراطي» مثار رفض وشجب وانتــقاد، فهذا السلوك اللاوطني الصادر من بعض المعارضين السوريين، هو محل اشتباه وانتقاد. بخاصّة حين يلجأ دوماً إلى المواربة والتحايل، عبر الإشارة إلى أن المواقف الرافضة للحــكم الذاتي الكردي أو الفيديراليّة الكرديّة في سورية، هو ليس رفضاً لحقوق الكرد، إنما رفضٌ للجهة الســياسيّة التي تحاول فرض هذه السلطة والإدارة على المعارضة الســـوريّة!. وأن هؤلاء المعارضين السوريين، هم مع الحكم الذاتي والفيديرالية، لكنهم ضد السياقات التي أتت به، والأساليب التي اعتمدها «حزب الاتحاد الديموقراطي» في إعلانه عن «إدارته الذاتيّة»، ثم إعلانه عن الفيديرالية!. وعليه، أقل ما يقال في هذا الرفض القطعي، المقرون بالقبول الموارب للفيديراليّة، بأنه «كلام حقّ، يراد به باطل». آخرون يرون أن هذه الفيديرالية، يعوزها الاستفتاء والتفويض الشعبي، أقلّه في المناطق الكرديّة! مضافاً إليه أن الفيديراليّة، تفتقد إلى الفيديراليين الحقيقيين. وهذا أيضاً، يمكن مناقشته، على اعتبار «جواز» ومصداقيّة الاستفتاءات في زمن القلاقل والحروب الأهليّة، وأن من يطرح هكذا رأي داحض هم فيديراليون عرب حقيقيون، كاملو الوعي والتجربة بهذا الخصوص، ولا تنطبق عليه مقولة: «فاقد الشيء لا يعطيه»!..     * كاتب سوري

مشاركة :