الفيديرالية السورية ومستقبل الأكراد

  • 5/22/2016
  • 00:00
  • 49
  • 0
  • 0
news-picture

على رغم الملاحظات الكثيرة على إعلان حركة المجتمع الديموقراطي وبعض الأحزاب والحركات والشخصيات الكردية والعربية والسريانية، القريبة من خطها السياسي، تطبيق النظام الفيديرالي في المناطق الكردية في سورية، باسم «الاتحاد الفيديرالي الديموقراطي في روج أفا – شمال سورية)، سواء المتعلقة منها بمضمونها والمستوحاة من ما يسمى «الأمة الديموقراطية»، تلك الفلسفة الغريبة والبعيدة عن الواقع، أو توقيتها الذي تزامن مع بدء مفاوضات جديدة في جنيف بين المعارضة والنظام، أو التفرد بهذا القرار المصيري بمعزل عن الأطر السياسية والفعاليات المجتمعية الأخرى الكردية والسورية، أو المرتبطة بضرورة ترتيب البيت الداخلي الكردستاني لمواجهة مختلف أنواع التحديات والأخطار الناجمة عنه، والتي تعتبر المنظومة المذكورة من أبرز عناصر عدم استقراره وفعاليته، أو لجهة عدم الإعداد والتحضير اللازم له وخلق أرضية إيجابية لتفهمه أو على الأقل التخفيف من المخاوف حوله، يبقى النظام الاتحادي الفيديرالي، هو الشكل الأنسب لسورية المستقبل. فقد أثبت تطبيقه نجاحاً في الحفاظ على وحدة الدول التي تتميز بالتعددية العرقية والإثنية والدينية، وتعاني من المشاكل المرتبطة بها، والتي تؤثر في تطورها واستقرارها، باعتباره يقوم على أسس الشراكة الوطنية الحقيقية والفاعلة في الحياة السياسية بصورة ديموقراطية، ويكفل الحريات العامة ويصون مبادئ العدل والمساواة بين جميع المواطنين، بعيداً عن التفرد في الحكم واحتكار السلطات بيد شخص أو مجموعة تنتهك القانون والدستور وتهدر الموارد وتحد من طموح المواطن، خصوصاً بعد فشل النظام المركزي الذي ساد منذ تشكل الدولة السورية الحديثة وحتى الآن، في بناء الدولة الوطنية وتعزيز وحدتها الداخلية وحل مشاكلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لا بل أنه أسس لنموذج شمولي تسلطي، أورث البلاد انهياراً ودماراً في مختلف مجالات الحياة. لقد تبنى المجلس الوطني الكردي في سورية، في مؤتمره الأول 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 هذا الشكل لسورية المستقبل، وفق الآتي: «أن إنهاء الأزمة في البلاد يمر من خلال تغيير النظام الاستبدادي الشـــمولي ببنيته التنــظيمية والسياسية والفكرية وتفكيك الدولة الأمنية وبناء دولة علمانية ديموقراطية تعددية برلمانية وعلى أساس اللامركزية السياسية...». وفي 22 – 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 اتفق المجلس الوطني الكردي ومجلس الشعب لغربي كردستان، على الرؤية المشتركة، التي تؤكد ما سبق، كما يأتي: «سورية دولة اتحادية تعددية ديموقراطية برلمانية متعددة القوميات، ما يستوجب إعادة بناء الدولة وفق النظام الاتحادي الفيديرالي بما يضمن حقوق جميع المكونات، واعتبار الأكراد قومية ذات وحدة جغرافية سياسية متكاملة...». وبالعودة إلى موضوع إعلان «الفيديرالية» في المناطق الكردية في سورية، وردود الفعل الداخلية المختلفة عليها، معارضةً ونظاماً، والتي أجمعت على رفض فكرة الفيديرالية بالمطلق واعتبارها مساساً بوحدة سورية وسيادتها وسلامة أراضيها، وصلت في بعضها إلى حد التهديد بمحاربة كل من يدعو لها. وإذا كنا لم نتفاجأ من موقف النظام في تعاطيه مع هذا الموضوع، بالاستناد إلى سياساته وممارساته خلال فترة حكمه، وفي كون فلسفته وأيديولوجيته تقومان على أساس نفي الآخر المختلف وعدم الاعتراف به، إلا أن الغريب هو هذا الموقف المشابه من قبل قوى المعارضة السورية المختلفة، ما يؤكد وحدة المنطلقات والأيديولوجيات لدى الطرفين، فالمخاوف من التعددية والديموقراطية تصدر عن القوى نفسها التي لا تؤمن بالرأي الآخر والحوار ومبدأ التعايش السلمي ونبذ جميع أشكال التمييز، خصوصاً أن المعارضة السورية هي نتاج سنوات طويلة من الاستبداد ومصادرة الرأي الآخر، وأيضاً نتاج تأثير وتدخل قوى إقليمية قائمة على الاضطهاد القومي والسياسي، ولا ترغب في ظهور أي حالة من التوازن السليم بين مكونات الدولة الواحدة. والسؤال الكبير الذي يطرحه الشارع الكردي هو: ما الذي سيفعله المجلس الوطني الكردي في سورية، بعد البيانات الرافضة للفيديرالية من قبل جميع الأطراف السورية، وهي الفكرة التي ولدت أساساً مع ولادته وتشكل حجر الأساس في سياساته وبرامجه، وهل يكتفي بالقول أنها علاقة دستورية، يتم تنظيمها وإدارتها دستورياً، وأنه سينتظر حتى يتم تثبيتها في الدستور الجديد لسورية؟ علماً أن أقرب النماذج الفيديرالية في هذا المجال، هي التجربة العراقية، حيث أعلن البرلمان الكردستاني في إقليم كردستان عن الفيديرالية في 4 تشرين الأول 1992 ولم يتم تثبيتها دستورياً إلا عام 2005. أم أنه سيقول: إن هذه المسألة تتعلق بالسيادة الوطنية، التي يجب أن يتم استفتاء الشعب السوري حولها؟ التصريحات والبيانات الصادرة حتى الآن بهذا الخصوص عن المجلس الوطني الكردي، غير مقنعة، ولا تقدم الأجوبة الكافية على المواقف الرافضة للفيديرالية، واستمرار ذلك لن يؤدي إلا إلى المزيد من ضعفه وفقدانه قاعدته الجماهيرية. لا بد في الختام من التأكيد، أن الفيديرالية، هي الاتحاد الاختياري/ الطوعي، في إطار الدولة الواحدة، وغالباً ما يتم ذلك بين مكونات متمايزة عن بعضها، قومياً، دينياً، ثقافياً، وهي تطبيق قانوني لميثاق الأمم المتحدة في ما يتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها. ومن هنا لا بد في هذه المرحلة المصيرية التي تمر بها سورية خصوصاً ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، من ترتيب البيت الداخلي الكردي وتجاوز خلافاته الثانوية وتوحيد رؤيته السياسية لمستقبل سورية وحل القضية الكردية فيها، استعداداً لمواجهة كل الاحتمالات التي تواجه الأكراد وقضيتهم القومية.

مشاركة :