تطوع الأطفال ونظرة ثانية - د. هتون أجواد الفاسي

  • 1/12/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أعود إلى موضوع تطوع الأطفال الذي توقفت الأسبوع الماضي في سرد قصته لضيق المساحة، وقد تلقى استقبالاً جيداً خاصة من العاملات والمهتمات بالشأن التطوعي وشؤون الطفولة ورأين أهميته في تنمية الوعي التطوعي لدى الأطفال من سن مبكرة بإشراكهم في شتى الأعمال التطوعية سواء باتجاه الأطفال أو المستضعفين في الأرض وأهمية ذلك في خلق مجتمع متكاتف يكسب من خلاله الجميع. وبالطبع لا نقصد بالتطوع أن يكون بالمال فقط، فهذا يعتبر تصدقاً، لكن التطوع هو تسخير جزء من وقت وجهد ومهارات الإنسان للآخرين يقدمها دون مقابل مادي. وهو الذي حرصنا على أن يقدمه الأطفال لأطفال آخرين حرموا من الأسرة الطبيعية ومن خلال تمضية يوم مع أطفال دار الحضانة الاجتماعية في الرياض الأسبوع الماضي. وقد كانت بمثابة مناسبة احتفائية قادها ابني أجواد، الذي بلغ التاسعة آنذاك، حضر فيها عشرة أطفال من قبلنا ومثلهم من قبل دار الحضانة في الأعمار من 7-12 وقد أشرفنا عليها أمهات بأطفالنا ومشرفات من الدار مع بعض فتيات الدار الكبيرات، وتركنا للأطفال الإعداد للألعاب بالأفكار وتجهيز ما يمكن تجهيزه في المنزل قبل الوصول إلى الدار. وبعد أن تمت المرحلة الأولى من التعريف بالنفس ووضع الملصقات الملونة بالأسماء وتركيب لوحات جدارية للرسم والتلوين، تولت العزيزة سوزان زواوي، وهي مختصة بالتدريب، تدريب الكبار، لكن مهارتها مع الأطفال فاقت ذلك، فقد قامت بتقسيم جميع الأطفال إلى قسمين دون أن يختاروا أنفسهم وفق ملصقة يجدها كل واحد على جبينه فاتجه الفريق الوردي يميناً والبرتقالي يساراً ومنها إلى الملعب الذي يتوسط مباني الدور الملونة بالأزرق والأخضر. وهناك استلم أجواد قيادة فريقه لينفذ البرنامج الذي وضعه مع أخته زين الشرف وأصدقائه أديب وأماني وأختيهما بالرضاع الجود والجنى. ويقوم البرنامج على أن يبدأوا بالتعريف، ثم بالتحمية، ثم بعرض جمباز مشترك، ثم سباق جري متتابع، ثم أداء صلاة العصر، ثم تناول الطعام وأثناء ذلك يقومون بتزيين أكواب الكيك بكريمة ملونة ساعدوا جميعاً في ذلك الصباح في إعدادها، ثم يعودون للملعب حيث يلعبون مباراة كرة قدم، في حين الجزء الذي لا يلعب يجتمع حولنا حراً على طاولة السفرة للمشاركة في مزيج من الأعمال الفنية المبتكرة. وننتقل بعد ذلك إلى المجلس حيث فترة قراءة القصة التي انتقيناها من مجموعة القصص التي تبرع بها أديب وأماني القعود إلى أطفال الدار مع دولاب رفوف، فتجمع حولي مجموعة لا بأس بها من الأطفال حتى الكبار منهم وقد استمتعوا بإحدى قصص كليلة ودمنة. الحماس كان متقداً في التشجيع وفي المشاركة لاسيما في مرحلة السباق. الجميل في جزء التحمية أن طفلاً كان مفترضاً أن يكون مع مجموعة أجواد لكنه فضل أن يتجه للمجموعة الأخرى لأن أغلبها صادف أنهم أصغر في السن ومن البنات ليتولى تدريبهم وقيادتهم، على الرغم من أن هذا الأمر لم يعجب ابنتي المغرمة بالقيادة وبلعب دور المعلمة لاسيما في أمر الجمباز والتحمية، إلا أنه كان مؤشراً على مهارة قيادية وحساً جميلاً من طفل الدار ذاك الذي عرفت فيما بعد أن لديه كافلاً يتابعه ويتولى رعايته. وشيء جميل آخر أن مديرة دور الحضانة اكتشفت في هذه الفقرة بعض مهارات الأطفال التي لم تكن معروفة من قبل لاسيما مهارات الجمباز وقررت أن تبحث عن مدربة تعطي الأطفال بعض الدروس المنهجية فيها. وانتهى اليوم الذي امتد إلى ساعة إضافية وصلت أربع ساعات، بأن اشترك الجميع في الكتابة على لوحين من جذع شجرة أحدهما ليبقى في الدار والثاني لنأخذه ذكرى لنا. ثم قمنا بإجراء عملية تشبه المؤاخاة بين أطفال الدار المضيفين والأطفال الضيوف من أصدقاء أجواد وزين الشرف، فطلبنا من كل طفل أن يختار صديقاً من الطرف الآخر وكتابة اسميهما على شريحة دائرية من جذع شجرة ليتبادلاها ويستبقي كل طفل شريحة لديه بالاسمين إلى يوم لا ندري متى قد نلتقي فيه. ولم نخرج من الدار إلا بصعوبة إذ أن الأطفال عادوا لاستكمال مباريات كرة القدم وقد دخل إلى الملعب مجموعة من فتيات الدار الكبيرات اللاتي قدن مباراة لم يقبل أطفالنا أن يتركوها إلا بعد أن وعدناهم بزيارة أخرى إن شاء الله، وطبعاً تم في النهاية تبادل توزيع الهدايا التذكارية التي أعدتها ابنة عمي العزيزة حصة الفاسي وأبناؤها لتتناسب مع جميع الأعمار والتي حرصنا على أن تحوي كتباً إلى جانب بعض التسالي. في طريق العودة سألت الأطفال، ما إن كانت زيارة جميلة، فاتفق الجميع على سعادتهم بها ورغبتهم في تكرارها، ثم سألتهم عن أكثر ما أعجبهم، فكانت الردود تتفاوت ما بين القصة، كرة القدم، الجمباز، سباق الجري وغيره. سوزان أعجبها أكثر كرة القدم التي دمجت الجميع في ثوان دون الحاجة لكثير تفكير وإعداد والجميع كان سعيداً. أنا أعجبتني فقرة المؤاخاة التي كانت ردة فعلها في غاية الجمال وكيف رأينا كل طفل يتجه إلى آخر أو أكثر من طفل ليكون صديقها أو صديقتها بتلقائية وسعادة فاضطررنا أن نضيف إلى عدد الشرائح لكل طفل. قد أكون استطردت ولكن التفاصيل أكبر من هذا الاستطراد، والمعاني وراءها كانت أكبر وأثرى وأقول وآمل هنا، لعلها لم تكن ثرية لأبنائنا فقط وإنما لهؤلاء الأطفال المحرومين من الحياة الأسرية الطبيعية أيضاً وقد استطعنا رسم ابتسامة حقيقية على شفاههم وقد كسبوا محبة أطفال لم تلدهم أمهاتهم. لكن العبرة بمدى المداومة على هذا العمل والذي يمثل التحدي الذي آمل ألا نخسره بإذن الله. وإلى لقاء قريب إن شاء الله.

مشاركة :