حدّثني أحد معارفي من الغربيين قائلاً أنه قُبيل وصوله إلى المملكة لأول مرة انتظم في دورة هيأتها له الشركة التي يعمل بها. في تلك الدورة علموه عن الأمور الرئيسة التي يجب على القادم للعمل في المملكة أن يُراعيها، وهي – كما يقول – طويلة ومُتقاطعة ويصعب على من لا يعرفها التقاطها بالسرعة المطلوبة، لكنه مع ذلك أحاط بها وبرع في تطبيفها إلى مدى حَسن. وسأل عن تفسير هزة فنجان القهوة بيد الضيف فقيل له إن ذلك إشارة إلى عدم الرغبة في الاستزادة، أو الاكتفاء بما شرب من قهوة. واستقر مُحدثي في بلادنا واندمج مع أهلها محاولا تفهّم وتفسير العادات الاجتماعية وما يرافقها من قول وعمل. وذات يوم كان مدعواً إلى وليمة رغبَ المضيّف أن يكون تناول الطعام على الأرض واستعمال اليد لتناول الطعام. وحضّر المضيّف رجلاً أو أكثر مهمته تقطيع الذبيحة التي احتلت حّيزاً كبيراً من الصحن. ومن ضمن مهامه (مهام الُمباشر) أن يضع لحماً حيث تقع يد الضيف، ويُزوّد هذا "الموقع" باللحم كلما لاحظ خلوّهُ من قِطع اللحم. استمرّ المُباشر الحريص على إكرام (الأجنبي) بوضع قطع اللحم تارة بعد أُخرى. وبدا للضيف أن يبدي عدم رغبتهُ في الاستزادة. فطبّق نظرية فنجان القهوة، وأخذ قطعة لحم ورفعها عالياً وهزّها أمام ناظري المباشر بقوة، لمرة أو مرتين. ولم تغب عن ذهن المباشر فأوقف "عملية الدعم" أو التزويد بقطع اللحم. ثم فهم ذاك الضيف أخير أن الإشارة للاكتفاء تكون بهز الفنجان فقط عن تناول القهوة، حتى الشاي أو الحليب – قيل له – ليس حتماً أن ترفع القدح وتهزّهُ بوجه الصبّاب. وأرى أن الشركات الغربية تُحسن العمل بإعطاء التنفيذيين المنتدبين لشركاتها في المملكة العربية السعودية حزمة تعليمات ضرورية هامة. لكنها – في كثير من الأحيان – لا تُحصي كل شيء، فتقاليد الأمم والشعوب أكثر من أن تُدرس في دورات (كورسات) قصيرة. binthekair@gmail.com لمراسلة الكاتب: aalthekair@alriyadh.net
مشاركة :