ميزة السينما بأنّ الصورة فيها مبهرة.. وساطعة.. والأحداث في الفيلم متلاحقة.. وقد يقتلك البطء إن كنت مشاهداً.. خاصة أنّ التحرك في المشاهد يمنحك الرؤية السريعة والتعايش مع الأبطال.. بينما البقاء داخل مشهد واحد فترة طويلة بين الصمت أو الانتقال في الكادر لدقائق طويلة يجعل المشاهد يملّ.. وينصرف ذهنياً عن المشاهدة.. ويعتبر ذلك عيباً من عيوب الفيلم.. ويراه النقاد مهما كان الفيلم متميزاً عيباً قلّل من قيمة الفيلم..! هذه الصورة المبهرة لفيلم قد يمتد ساعتين أو ثلاث كحد أقصى.. تتنقل في داخلها مع قصة كاملة أو حكاية طويلة.. بأحداث ربما استغرقت سنوات أو عشرات السنوات.. أو أياماً.. أو أجيالاً تعاقبت عليها.. قصة سنوات أو قصة حكاية ما تحولت إلى فيض من المشاعر المتضاربة على الشاشة الذهبية.. ببداية ونهاية.. وبقواعد متفق عليها.. ليس مهماً ماذا كانت النهاية.. هل توافقت مع القصة الحقيقية خاصة إن كان الفيلم إنسانيا أو رومانسياً.. أو واقعياً.. أو عدّل فيها المخرج قليلاً.. لاعتبارات تسويقية أو عدم قناعة بالنهاية الحقيقية.. المهم في الأمر "النهاية" التي تُكتب على الشاشة في آخر الفيلم والمشاهد يقتنع بها أو يرفضها.. هذا الرفض أحياناً يأتي من رغبة المشاهد بأن تكون النهايات سعيدة أو كما يتمناها.. وأحياناً يتدخل المشاهد دون تحقق تدخله في تمني النهاية كما لو كان هو البطل أو من عاش الحكاية.. لكنّ السينما عملاً تجارياً يخاطب المشاهدين أولاً كتجارة عالمية وتسويق.. يعمل على إبهارك بالصورة الجميلة.. ويخلق معك علاقة تواصل مفتوحة.. ولكن هو من يصنع تفاصيل هذه العلاقة ويصدّرها لك قد تجد نفسك داخلها.. أو تراها قصص آخرين، فالسينما هي صوت لصدى دواخلنا.. لأنها تمنح المتفرج أكبر قدر من رؤية الصورة من جميع الجوانب.. وهو ما لا تمنحه الحياة.. فنصف العلاقات أو أغلبها تظل الصورة من جانب واحد ومن زاوية واحدة.. لكل الأطراف من الصعب أن ترى الصورة وتحدد ملامحها كاملة..! السينما ليست الحقيقة.. ففيها ترى الحكاية بكل مافيها من مرارة أو فرح أو ضعف بشري.. أو ألم.. أو تسارع أحداث أو توقفها والإخفاق في قراءتها في زمن محدد.. ترى الموت وترى الحياة.. وتسمع الكذب.. وتعيش الأذى النفسي قبل البدني.. وتكتشف تشوه البطل الداخلي.. والصورة القشور التي صدّرها للمشاهد.. الصورة تاريخ يفيض وتهدر لحظاته ولمن تُطوى.. بالنهاية بسرعة.. لكن الحقيقة والواقع مختلف تماماً.. فمرارة المشهد لثوانٍ.. قد يعيشها الإنسان في الواقع لسنوات وربما لشهور ممتدة.. تستنزف داخله بالتدريج.. كما هي في الولادة.. فالطفل في السينما يولد وبعد لقطات يكبر ويصبح شاباً.. في الحياة كم هي المواقف الموجعة أو الجميلة التي عاشتها الأسرة وعاشها هو ليتحول إلى شاب.. كيف درس؟ وكيف مرّت الحياة بجانبه.. الحكاية نفسها تحتاج لسرد طويل يتمازج بين الألم والجمال والصور المتحركة والتي اشترك فيها وظهر المئات من البشر لتشكل صورة هذا الشاب..! في المواقف مشهد الهزيمة في السينما أو السقوط أو الوجع أو الألم أو التلاشي عن الوجود بسبب ضربات الحياة المتلاحقة يحتاج إلى أفلام وليس لمشهد واحد.. فالممثل قد يصور لك ويعيش مجتهداً الحالة من أجل أن يجعلك تشعر بمصداقيته.. وبعد ثوانٍ يتجاوز الحالة ليجسد الانتقال إلى المشهد الآخر الذي دخل إليه بعد الأزمة..! وما أقصده بالأزمة هو ما يتركز عليه الفيلم أساساً أي فيلم والمعايشة للحالة ومن ثم مغادرتها كما ينبغي أو البقاء فيها لرسم النهاية.. في الحياة يعبر الإنسان بالأزمات ويتمنى أحياناً أنها تكون كصور الأفلام العابرة ولكن كيف يكون ذلك.. وبعض الأزمات تدخلنا في قلب الفراغ.. وتبعثر دواخلنا إلى حالة من الفوضى الساكنة لكل تفاصيل الزمن المحيط بنا.. في الأزمات التي تمرّ بنا في الحياة يتغير المزاج ولا تعود الحياة هي الحياة.. بل تغلق كل أبوابها وتمنحك رموزاً لفتحها قد تستغرق أزمنة طويلة من أجل أن تفكها.. تخاف وقد تغيب عنك كل الرؤى والبدائل التي تريد أن تهرب إليها.. قد تكون بعض الأزمات عابرة ولكن البعض منها يستديم ويصبح هو المنفى الاختياري.. والغموض الذي لا تشعر أنه سيتبدد..! الحياة سينما ولكن بالصورة المبهرة والعابرة التي تلامسك.. لكنها لا تمت لها بصلة في الحقيقة.. لأن دفتر شروط الحياة الواقعية بعض أحكامه تعسفية وجائرة.. من أجل أن تفهمها عليك أن تتعامل معها بهدوء وروية.. والكثير من التحمل.. وترك الزمن يدور دون أن تحصي أنفاسه لأنك ستفاجأ بأنه توقف.. ولم يعد يتحرك..!! najwahashem@live. com
مشاركة :