ما الذي لم تفعله الإمارات لتشويق الناس إلى القراءة؟ لا منافس لها في جعل الكتاب مصباح علاء الدين السحريّ في أيدي جميع مراحل السنّ. لم يعد المال شرطاً للحصول على مكتبة الأسرة، فإذا تعذّر الوصول إلى معارض الكتب، فإن الكتب تصل إلى المنازل، فضلاً عن شبكة العنكبوت التي تمطرك بعشرات آلاف الكتب مجّانا. ولو كانت هذه ورقيّة لوأدت ألف جاحظ تحت ركامها. المسألة ليست من قبيل: يشتهي الإنسان في الصيف الشتا.. فإذا جاء الشتا أنكره، فقد كانت الكتب صعبة المنال في الماضي. وكان القارىء يؤثر التهام كتبه من دون أن يقاسمه لقمة المعرفة أحد. وتلك من رواسب العصور الغابرة، حين كانت العلوم والمعارف أسراراً في أدمغة الكهّان والرّهبان، فلمّا بطل السحر ولم تعد الكلمة سرّاً، وغدا الإنسان يطلب قطرة فتحيط به البحار: تكاثرتِ الظباء على خراشٍ.. فما يدري خراشٌ ما يصيدُ. المعلومات شيء، والمعرفة شيء آخر. ومن هنا ضرورة الانتقاء. والانتقاء خيار بمعنى أنه اكتساب لا فطرة. والذوق والجمال والقيم كلها مكتسبات. هي في النشأة تنشئة، وفي السلوك تربية، وفي الحياة تعليم، فعلى الأسرة أن تعجّل باكتشاف مواهب صغارها وأن تصقل مواهبهم. وكلمة صقل ظريفة، لأنها تؤدي فعلاً إلى اللمعان. واللمعان طريف لأنه من جذر الألمعيّة. والموهبة هي الهبة التي تأتي إلى الدنيا خبيئة، ولكنها بحسن استخدام الاستعداد واكتشافه في وقت مبكّر، تتجلّى وتسطع وتشعّ وتبدع. وكل هذه المسيرة انتقاء وتوجيه. أسوأ أنواع التربية الأسريّة هو ذلك الذي يريد، بل يصرّ على جعل الطفل مشروعاً أسريّاً. الطفل ليس مادّة لتحقيق حلم أسريّ أو مكانة مرموقة في نظر المجتمع.هو مشروع ذاتيّ يجب مساعدته في تحقيقه. قد يكون متعارضاً مع رغبة الأسرة، فيُكرهه الأبوان على مسار لم يخلق له وينفر منه.كأن يُجبر على ابتلاع الدواوين والمتون، في حين أن دماغه خلق للرياضيات والفيزياء أو الموسيقى أو الفنون التشكيلية. والطريق القويم، هو أن نضع أمامه خيارات شتى منذ نعومة الأظفار، ونتأمل ميوله، ونفحص بدقة وأمانة اتجاه شغفه واهتمامه. وهذا لا يحتاج من الأبوين إلى التخصص في علم النفس، بل إلى التأمل الواعي. والأهمّ عدم التسرّع، لكيلا نظلم المواهب المتأخرة. وكورناي يقول: القيمة لا تعرف عدد السنين. لزوم ما يلزم: النتيجة القياسيّة: للأسف، العالم العربيّ لم يعرف مطلقاً في التنمية أهمّية عدد السنين. عبد اللطيف الزبيدي abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :