مدينة الشارقة الفاضلة

  • 5/4/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ظل الإنسان، منذ أفلاطون مروراً بالفارابي وحتى مفكري العصر الحديث، يبحث عن المدينة الفاضلة، التي كلما ظن أنهم قد اقتربوا منها وجدوها قد ابتعدت منهم نتيجة نقاشاتهم المحتدمة حول تعريف هذه المدينة التي ينشدونها. بعضهم يريدها دينية أكثر مما هي دنيوية. آخرون يريدونها دنيوية صرفة لا علاقة للدين بها. البقية الصامتة يريدونها منفتحة على الدنيا وبهجتها، لكن منضبطة بقيم الدين والأخلاق الكليّة. إذا كان القصد من المدينة الفاضلة خلوّها من الذنوب والعيوب، فهذه لن تأتي أبداً إلا إذا تحقق أيضاً خلوّها من الإنسان! المدينة الفاضلة «الممكنة نسبياً» الآن هي المدينة التي توازن بين متطلبات الروح والجسد، العقل والعاطفة، المرأة والرجل، المسنّ واليافع. هي المدينة التي تقيم مسابقة دولية لتحفيظ القرآن الكريم، مثلما ترعى جائزة اليونسكو الدولية للثقافة العربية. هي التي تنظّم أحد أكبر معارض الكتاب في العالم العربي ثم في الشهر التالي تستقطب بينالي عالمياً للفنون التشكيلية. هي التي تبني مساجدها على الطراز الإسلامي الأخاذ، ثم تبني غير بعيد عنها داراً عالمية للأوبرا. هي التي تستطيع أن تصنع قناة فضائية محافظة لكن ليست جامدة رتيبة، وجاذبة للمشاهدة لكن من دون إسفاف ومجون. المدينة الفاضلة «نسبياً» هي التي تستطيع أن تكون عاصمة الثقافة العربية للعام 1998 وعاصمة الثقافة الإسلامية للعام 2014 وعاصمة السياحة العربية للعام 2015 وعاصمة الصحافة العربية للعام الحالي، لكن من دون أن تعبث كل هذه الاستحقاقات الترويجية بهويتها وشخصيتها المضبوطة بمعايير غاية في الدقّة والتوازن. المدينة الفاضلة «الممكنة» هي التي تستطيع مواجهة ضغوط مطالبات الانغلاق والانفتاح بمهارة تفاوضية تستطيع بها تحييد التشنج من طرف والتسيّب من طرف، للتعايش في المدينة أو الخروج منها إلى حيث ما يبحث عنه الطرفان المتطرّفان. المدينة الفاضلة ليس لزاماً أن تكون ذات نظام جمهوري، ثم يمكث «الرئيس» فيها 40 عاماً تزيد أو تنقص بانتخابات تمريرية، حتى إذا غادرها بعد سنين تركها قاعاً صفصفاً منهوباً. تأخذ بأسباب النمو العالمي، لكن من دون أن تسمح للرأسمالية المتوحشة بأن تتحكم في نموها أو أن تسيطر على أعضائها. المدينة «الشارقة» أمضى حاكمها (سلطان القاسمي) 44 عاماً منذ استلم الحكم حتى اليوم، يَنظُم أصدافها بهدوء كي يصنع منها عقداً جاذباً لزوارها.

مشاركة :