العرب في نظام دولي بلا خطوط حمراء | وائل مرزا

  • 5/8/2016
  • 00:00
  • 55
  • 0
  • 0
news-picture

منذ أسبوع، أنتج البيت الأبيض تسجيلاً هزلياً يسخر فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما من نفسه، حيث يمثل هو شخصياً بشكلٍ كوميدي باحثاً في مشاهد متتابعة عن إجابةٍ لسؤال يُحيرهُ، ويتعلق بما سيفعله بعد انتهاء فترته الرئاسية مع نهاية هذا العام. هذا نموذجٌ عما يشغلُ وقت الرجل الذي يملك أقوى منصبٍ سياسي في العالم في فترةٍ من تاريخ الإنسانية قد تكون الأكثر خطورةً وفوضى وحساسية، على الأقل في التاريخ المعاصر. وإضافةً إلى ماتحدثنا عنه سابقاً عن انهماكه في التحضير لمكتبته الرئاسية الخاصة، سيكون مُعبِّراً أن نعرف بعضاً من نشاطاته خلال الأسبوعين الماضيين، من خلال موقع البيت الأبيض على الإنترنت، والذي يحتوي باباً لنشاطات الرئيس اليومية، بمعنى أنه لايمكن أن يُغفل مايمكن أن يكون نشاطات هامة. بشيءٍ من البحث سنرى أن السيد أوباما كان على مدى الأيام الماضية من النوع التالي: استقبال المعلمة الفائزة بلقب أفضل معلمة وطنية للعام 2016؛ العشاء الرئاسي الأخير لإدارة أوباما احتفالاً بعيد الفصح، المعروف في أمريكا بأنه «يوم العبور» اليهودي؛ تقديم «كأس الرئيس» لفريق كرة القدم الخاص بالبحرية الأمريكية؛ جمع مراسلين وصحفيين من مختلف أنحاء البلاد وإبداء الشكوى لهم من إعاقة الجمهوريين لعقد جلسة اجتماع رسمية بخصوص مرشحه للمقعد الشاغر في المحكمة الدستورية العليا؛ وأخيراً، زيارة مدينة فلينت في ولاية ميتشيغان للبحث في مشكلة المياه مع المسؤولين فيها شخصياً. ثمة مواضيع عن نشاطات أخرى سيجدها زائر موقع البيت الأبيض في الخانة ذات العلاقة، لكن غالبيتها العظمى تتعلق بفعاليات ومناسبات داخلية يقوم بها مسؤولون وموظفون في الإدارة والبيت الأبيض. ونعرف أن أوباما عاد قبلها من زيارةٍ خارجيةٍ وداعية لأوروبا والشرق الأوسط، ومن المؤكد أنه قام بنشاطات سياسية إضافية بشكلٍ أو بآخر خلال هذه الفترة، لكن هذه اللقطة من جدول نشاطاته المُعلن تعطي صورةً معبرةً عن وضع كل رئيس أمريكي في العام الأخير من فترته الرئاسية، حيث يُصبح رئيساً شرفياً لاتسمح له الأعراف والتقاليد السياسية الأمريكية باتخاذ أي قرارات حاسمة، سوى حالاتٍ طارئة قصوى تتعلق بالأمن القومي الأمريكي، وبمفهومٍ ضيقٍ ومباشر. ليس مهماً في هذا الإطار أن تسود في عالم اليوم درجةٌ من الهيولى لم تعد تُعرفُ معها حدودٌ وأعراف سياسية، وعسكرية وأمنية، يُصبح معها الوضع الدولي حقل تجارب لكل من اقتنص المعرفة بهذه الحقيقة، فشرب شيئاً من (حليب السباع) وامتلك الجرأة على الاقتحام والاختراق هنا وهناك. ثمة نقدٌ جاهزٌ دوماً لكل من يصف الواقع العالمي الغريب الراهن على حقيقته. فهذه الحقيقة مخيفةٌ ومُفزعة ومدعاةٌ للقلق والتوجس والشعور بعدم الاستقرار، خاصةً لمن اعتاد على ضرورة أن يكون هناك (نظامٌ دولي)، بجزئيه المكتوب والعُرفي. وأي إيحاءٍ باختفاء هذا النظام، ولو لمدةٍ محددة، ولظروف تاريخية استثنائية، كما هو حالُ عالمنا اليوم، قد يكون مدعاةً لخروجه من (نطاق الأمان) الذي اعتاد على الدوران داخل فلكه الآسر. وكما يصف علماء النفس والاجتماع هذه الحالة على أنها من أكثر مايصيب الفرد بالارتباك والعجز، فإن هذا التشخيص ينطبق على الدول، وبشكلٍ أكبر أحياناً. يصلحُ جداً كمثالٍ، له علاقةٌ أيضاً بوضع أوباما، مقطعٌ من جلسة استماع في الكونغرس الأمريكي منذ عشرة أيام، واجه فيه السيناتور ليندسي غراهام كلاً من وزير الدفاع آشتون كارتر والجنرال جوزيف دنفور، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، بخصوص سياسة أمريكا العسكرية في سوريا. في المقطع، الذي يستحق أن يسمعه كل مسؤولٍ عربي، أمطرَ الرجلُ المسؤولَين الحكوميين بأسئلةٍ صريحةٍ وواضحةٍ ومباشرة تتعلق بتخبط سياسة أوباما في سوريا والمنطقة، ومافيها من تناقضات وكذبٍ ونفاق وتهافت. وبإجابات مترددة، ولغة جسدٍ مرتبكة، وألوان من التهرب والتبرير، وشعورٍ واضحٍ جداً بالتناقض بين رأيهم الحقيقي ومايجب أن يقولوه علناً، حاول المسؤولان الإجابة على الأسئلة. ببساطة، لأنهما موظفان لدى أوباما، في حين أن السيناتور مُنتخبٌ من الشعب. فرغم شيوع المعرفة بأن موظفي الرئيس الأمريكي المسؤولين عن السياسة الخارجية، ساسةً وعسكراً وأمنيين، لايوافقونه الرأي كلياً، إلا أنهم لايستطيعون التصريح برأيهم. أما عضو الكونغرس المُنتخب، فيملك كل الحرية ليفعل ذلك. هو عالمٌ يعيش فيه العرب، أكثرَ من غيرهم، وفي منطقتهم، بدون قواعد ولاقوانين ولاخطوط حمراء حقيقية، مهما حاول موظفو الإدارة الأمريكية الإيحاء بغير ذلك. وليس أسعدَ من الأسد، مع الإيرانيين والروس، بهذا الوضع، وباستعداد العرب لتصديقه والقبول به. هل يكون هذا قدراً لايمكن الفكاك منه ومن نتائجه؟ الجواب لدى التاريخ بالتأكيد. وربما عند بعض العرب. waelmerza@hotmail.com

مشاركة :