لفت الشيخ صلاح الجــودر إلى أن الغلو والتطرف أصبح اليوم آفة الأمم، وإسفين الحضارة البشرية، وهو موجود في المنتسبين لجميع الديانات، وليس فقط في أمة الإسلام كما تحاول آلة الإعلام المأجورة تصويره والإساءة إليه، وقال في خطبة الجمعة أمس بجامع الخير بقلالي: لا غرابة أن يكون في بعض المنتسبين للإسلام، مؤكدًا أنه لا هو من منهج الإسلام وتعاليمه ولا من سيرة رسول الله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، ولفت إلى قصة ثلاثة سألوا عن عبادة رسول الله وكأنهم قالوها، فقال أحدهم بأنه سوف يصوم الدهر ولا يفطر أبدًا، وقال الآخر: سوف يقوم كل ليلة ولا ينام أبدًا، وقال الثالث بأنه لن يتزوج أبدًا، فبلغ ذلك رسول الله فأرشدهم إلى المسلك القويم والمنهج الرشيد، فقال:(إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني). وأشار خطيب جامع الخير إلى أن هؤلاء المغالين قد اتبعوا أهواءهم في غفلة من الناس، فطعنوا في العلماء، وعصوا ولاة الأمر، وتمردوا على الوالدين والمربين وأصحاب الفضل، بل بلغ الأمر بهم أن كفروا أهل القبلة، فحملوا السلاح، وتحزموا بالقنابل، وفجروا السيارات والمباني، واستهدفوا المسلمين والمسالمين والمعاهدين وأهل الذمة، حتى فجروا أنفسهم اعتقاداً بان ذلك قربى لله وطريقاً للجنة، كل ذلك بعد أن وسوس لهم شياطين الأنس والجن، فلو كان لإحدهم عقل أو بصيرة لما قام بتفجير نفسه!!، إنها جريمة شنعاء حكمها خزي في الدنيا وفي الاخرة لهم عذاب عظيم، لقد خدعوهم حين ساقوا لهم أحاديث الجهاد في سبيل الله، ولم يخبروهم بالآيات والأحاديث التي تحرّم قتل النفس، وغرروا بهم لتفجير أنفسهم حتى لا تمسك بهم الأجهزة الأمنية!. وقال الجودر إن رب العزة نهانا عن الغلو في الدين، في قوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة: 77، وحذرنا رسوله محمد من التطرف والتشدد، فعن عبدالله بن عباس أن رسول الله قال: (إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوُّ) [أحمد وابن ماجة والترمذي، وعن ابن مسعود أن رسول الله قال: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) [مسلم، قال الإمام النووي: (أي: المتعمّقون المغالون المتجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم). وأوضح الجودر أن الخارجين عن منهج الإسلام موجودون في كل العصور والأزمان، فقد خرجوا في عهد رسول الله، فأولهم ذو الخويصرة الذي قال لرسول الله عند قسم غنائم حُنين: اعدل يا محمد، فقال رسول الله: (وَيْحَكَ! مَنْ يَعْدِل إذا لم يعدل رسولُ اللهِ؟!)، ثم قال: (يخرجُ مِنْ ضِئْضِئِ هذا أقوامٌ يَحْقِرُ أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ من الإسلام كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ) [البخاري، وورد في وصفهم أيضًا: (يقتلون أهل الإسلام، ويَدَعُونَ أهلَ الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)، وقال: يكفيكم قراءة آيات تحريم قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، والتأمل في الأحاديث النبوية الشريفة التي تنهي عن قتل النفس، لمعرفة الأجرام والإفساد في الأرض، قال رسول الله: (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة)، [الجماعة. وشدد الشيخ الجودر على أن الله تعالى قد أمر عباده بالتزام الوسطية والاعتدال في الأمور كلها، في قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا، [البقرة: 143، وجاء من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال: (إنَّ هذا الدينَ يُسْرٌ، ولنْ يُشَادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبهـ وفي رواية: إلا هَزَمَهُ، فَسَدِّدُوا، وقَارِبُوا، وأبشروا، واستعينوا بالْغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ)، [البخاري في كتاب الإيمان.، وقال: إن الله تعالى أكرم هذه الأمة بالخيرية، فهي الأمة الوسطية، لا إفراط فيها ولا تفريط، ولا جهل ولا انحراف ولا ضلال، وقد أخبر رسول الله بأنها ستفترق بقوله: (ستفترق أمتي على اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة وهي الجماعة)، وفي رواية قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). فكونوا -عباد الله- مع نبيكم محمد وآله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
مشاركة :