تريم عمران تريم.. 14 عاماً على رحيل فارس الكلمة

  • 5/16/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في مثل هذا اليوم غيب الموت السياسي والإعلامي البارز تريم عمران تريم فارس الكلمة، أبا نجلاء الذي انتقل إلى جوار ربه يوم الخميس الموافق 16 مايو/أيار 2002، يومٌ حزن فيه كل من عرفه أو تابع نشاطه وحيويته في مجالي السياسة والإعلام، خاصة إبان مرحلة تأسيس الدولة، والدور الذي قام به بتكليف من المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله. هجع الفارس في مرقده الأخير، وبقيت كلماته وإنجازاته حية تنبض في تاريخ الإمارات وفي عقول الشباب والسياسيين والإعلاميين. فارس امتطى صهوة الكلمة فاتحاً ينبوعاً من العطاء للفكر الثقافي والسياسي والإعلامي. أربعة عشر عاماً مرت على رحيل تريم عمران، عقد ونيف، تبددت خلاله أحلام دول، ونضبت أفكار آخرين، وجفت أقلام غيرهم، لكن الإرث الذي خلفه أبو نجلاء، متجدد متدفق في جيل يمشي بين ظهرانينا، معطاء ينبض حيوية ودفقاً إنسانياً كبيراً. السيرة الشخصية ولد تريم عمران تريم، في إمارة الشارقة بدولة الإمارات عام 1942. وبدأ سنواته الدراسية الأولى في مدرسة القاسمية بمدينة الشارقة، والتحق بمدرسة الشويخ في الكويت، وأكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وكان أبو نجلاء ناصرياً ملتزماً بمبادئ الناصرية، وكان يحب جمال عبدالناصر ويعتبره رمزاً خالداً للأمة العربية ولكل الشعوب التي تكافح من أجل حياة أفضل، وكان يؤمن بأنه لم يأت زعيم يطال قامة عبد الناصر، وأن العرب لن يكونوا بخير إلا إذا أتى من يمشي على خطى هذا الزعيم. لعب تريم عمران دوراً فاعلاً في جميع مراحل تأسيس وتطور دولة الإمارات العربية المتحدة. وكان أحد دعاة الاتحاد التساعي الذين طالبوا بتوحيد إمارات الخليج التسع، عقب خروج الاحتلال البريطاني في مطلع عقد السبعينات من القرن الماضي، وحينما بدا أنه من العسير قيام الاتحاد التساعي، كان تريم في مقدمة المنادين لإقامة الاتحاد السباعي، الذي هو اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة. مناصب تقلدها شغل تريم عمران عدة مناصب، فكان عضواً مشاركاً في مفاوضات تشكيل اتحاد الإمارات العربية المتحدة وسفيراً للإمارات في جمهورية مصر العربية، ورئيساً لوفد الإمارات في الجامعة العربية حتى عام 1976. وفي عام 1977 انتخب رئيساً للمجلس الوطني الاتحادي لدورتين متتاليتين، وكان عضواً مؤسساً في منتدى التنمية لدول مجلس التعاون الخليجي، وعمل نائباً لرئيس مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، وكان رئيساً للجنة الإمارات للتكافل الاجتماعي، وعضواً في مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية. تم اختيار تريم عمران من قبل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ليصبح أول سفير للدولة في جمهورية مصر العربية، وأول مندوب لها في جامعة الدول العربية حتى عام 1976، ومارس تريم عمران مع مجموعة من الدبلوماسيين الإماراتيين العمل الدبلوماسي لمدة خمس سنوات بكفاءة مشهودة، وكان تريم عمران من السياسيين العرب القلائل الذين كانوا ملمين بما يدور خلف الكواليس، من شؤون وشجون بالنسبة للبلاد العربية، بجانب إلمامه التام بما يدور في الساحة العامة، وكان رحمه الله قارئاً جيداً للشؤون العربية، وكان يستوعب ما يقرأ، ويستطيع بمقدرة فائقة أن يسرد ما قرأه سرداً تاماً، وبذاكرة حاضرة ومعرفة للأمور من جميع جوانبها. وتعلم تريم عمران كثيراً من فنون السياسة وهو مندوب دائم للإمارات في الجامعة العربية، وكان كثير التردد على الدورات التي تعقدها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتمرن في هاتين المؤسستين على فنون التخاطب والحديث في السياسة العربية والعامة. تريم عمران والصحافة بعد عودة تريم عمران من القاهرة عام 1968، كان مع شقيقه الراحل الكبير د. عبدالله عمران، ضمن الوفد الرسمي لإمارة الشارقة في المفاوضات التي سبقت الاتحاد السباعي للدولة، واتجه تفكيره إلى العمل الصحفي، حيث وفي هذا الصدد قال تريم عمران: كان الوضع السياسي حينذاك مقلقاً جداً، وينذر بمخاطر جمة، وصعوبات ستواجهها الإمارات، إذا استمر وضعها السياسي المتصف بالتجزئة والتفتت، الإنجليز قرروا الانسحاب، والمنطقة مجزأة، وليس هناك كيان سياسي واحد يستطيع التعامل مع احتمالات المستقبل، وجاء التفكير في إصدار أول جريدة سياسية تتصدى للمستجدات والتحديات بالرسالة الوطنية والقومية ذاتها. وكانت الخطوة الأولى هي إصدار مجلة سياسية شهرية هي الشروق، ثم أسس المرحوم تريم عمران تريم وأخوه المغفور له، بإذن الله، الدكتور عبدالله عمران تريم صحيفة الخليج، في عام 1970، وتجلت رسالتها في الدفاع عن كل القضايا الوطنية والقومية، ومناصرة الحق في كل مكان. وصدر العدد الأول من الجريدة في يوم الاثنين 19 أكتوبر/تشرين الأول 1970، لتملأ فراغاً في الحقل الصحفي عانت منه المنطقة على مدار سنوات الاحتلال البريطاني، ولتجسد رسالة إعلامية آمن بها أصحابها، وتبلورت في قيام مشروع وحدوي في الخليج بعمق عربي وانتماء قومي، وترسيخ الهوية الحضارية العربية والإسلامية، والتأكيد المستمر على الذاتية والثقافية العربية، إضافة إلى مواجهة تسلط الشاه وتهديداته باحتلال جزر الإمارات، وكذلك طرح أفكار للنهوض والتنوير والمعرفة والحريات العامة. انطلاقة الخليج وفقاً لهذه الرسالة انطلقت الخليج، وكانت تطبع في دولة الكويت، وتنقل بالطائرات إلى دبي، ليتم توزيعها فيما بعد في الشارقة، وتصدر أكثر من مرة أسبوعياً، خاصة مع ارتفاع وتيرة نقدها للسياسة البريطانية في الخليج، أو تعرضها بالنقد لسياسات الشاه، أو كشفها لأسرار الاجتماعات المغلقة التي كانت تدور حول مسائل الاتحاد التساعي. ومارست سفارتا إيران وبريطانيا ضغوطاً في الكويت لمنع صدور الخليج، والتي كان يرضخ لها أصحاب المطبعة مضطرين، وإن صدرت فهي عرضة لاحتمال المصادرة عند وصولها إلى المطار، بل ووصل الأمر إلى حد أن المعتمد البريطاني طلب من حاكم الشارقة المرحوم الشيخ خالد بن محمد القاسمي إغلاق الجريدة، إلا أن المرحوم الشيخ خالد لم يستجب لهذا الطلب. ورغم الإمكانات البسيطة والعوائق الكبيرة إلا أن الخليج استطاعت أن توجد لها موطئ قدم، بل إنها سجلت سبقاً صحفياً في عدد كبير من الموضوعات والقضايا الساخنة، وفي 29 فبراير/شباط 1972 توقفت الخليج عن الصدور، لدخول مؤسسيها مجال العمل العام في خدمة دولة الاتحاد الفتية. معاودة الصدور عادت الخليج للصدور في عام 1980، لتكمل مشوارها الذي بدأته قبل ذلك بعشر سنوات، ولتسير على النهج نفسه وتكمل مسيرة الوحدة والبناء، وتكون صوتاً للحق ونبراساً للعلم والمعرفة، رافعةً شعار للحقيقة دون خوف، وللواقع دون زيف، وهذا الخط ما زالت تسير عليه حتى وقتنا الحاضر، ملتزمة بالرسالة التي قامت عليها، ومحافظة على المبادئ التي خطتها منذ العدد الأول. رئيساً للمجلس الوطني تم اختيار تريم عمران لرئاسة المجلس الوطني الاتحادي عام 1976، بإجماع الأصوات، وأحدث تريم عمران بتجاربه وحنكته السياسية في المجلس الوطني الاتحادي تغييراً جذرياً في مضمون العمل الذي كان المجلس يقوم به، وعرف الأعضاء لأول مرة أنهم يمثلون دولة واحدة لكيان موحد، وليس كل منهم ممثلاً لإمارته، بالإضافة إلى أن تريم عمران جاء بتنظيمات إدارية جديدة للمجلس وشكل لجاناً لمتابعة القضايا التي يبحثها المجلس ويصدر بشأنها القرارات اللازمة. وبتولي تريم عمران مجلس الرئاسة شهد المجلس عهداً جديداً من النشاط والمشاركة، لم يكن له بهما عهد، وبهذا التغيير في أسلوب إدارته ونشاط أعضائه أصبح المجلس قريب الشبه بالمجالس المنتخبة، وأصبح أعضاؤه بتشجيع من تريم يطالبون بتغيير هيكل المجلس، وتحويله إلى مؤسسة ديمقراطية منتخبة، كما بينت المذكرة المشتركة. وحدث تواصل قوي بين المجلس والحكومة آنذاك، وكان لشخصية تريم عمران تأثير قوي في هذا التواصل، وشعر الجميع بأن المجلس لم يعد مجلساً يوقع على القرارات التي تقدم إليه، بل أصبح النقاش والتحليل والنقد أهم سمات هذا المجلس الذي بدأ يناقش الأمور المصيرية للدولة الاتحادية، ويدعو إلى مزيد من التلاحم بين الإمارات، والتأكيد على وجوب المشاركة الشعبية في القرارات المصيرية. وأثار تريم عمران بين أعضاء المجلس روح التضامن، والعمل من أجل الاتحاد ونبذ الإقليمية والأخذ في الاعتبار أن الإمارات دولة واحدة، وأن الذي يعمل العضو من أجله هو مواطن الاتحاد وليس مواطن الإمارة التي ينتمي إليها العضو. ويعتبر أعظم إنجاز استطاع المرحوم تريم عمران أن يحققه للمجلس وللناس هو المذكرة المشتركة التي توضح ما بذله من محاولات لجعل المجلس الوطني الاتحادي يعمل من أجل خدمة الوطن وإعلاء شأنه. المصالح العليا للبلاد عقد المجلس الوطني الاتحادي جلسة خاصة بتاريخ 6 فبراير 1979، دعا إليها مجلس الوزراء لبحث التطورات والأحداث الجارية في المنطقة، وما تنطوي عليه من أخطار على منطقة الخليج بصفة عامة، ودولة الإمارات العربية المتحدة بصفة خاصة، وتناول البحث الأوضاع القائمة في الدولة، والإجراءات الضرورية للمحافظة على المصالح العليا للبلاد، ودرء ما يواجهها من أخطار، وتأمين سلامتها واستقرارها. وقد واصل المجلسان اجتماعهما المشترك بتاريخ 13 فبراير 1979، وبعد مناقشات مستفيضة اتسمت بالصراحة والصدق والإخلاص، اتفق الرأي في المجلسين المجتمعين على ضرورة إمعان النظر في التطورات والأحداث الجارية في المنطقة. فجاءت المذكرة المشتركة المرفوعة إلى المجلس الأعلى لحكام الإمارات من المجلس الوطني الاتحادي ومن مجلس الوزراء لدولة الإمارات العربية المتحدة يوم 6 فبراير 1979، والتي كان تريم عمران، رحمه الله، مهندسها وواضع لبناتها وصاحب فكرتها، لتؤكد أن تريم عمران، لم يكن رجل سياسة عادياً أتت به الظروف إلى السدة السياسية هكذا اعتباطاً، بل هو منسق سياسي من الطراز الأول، ويتمتع بمؤهل دبلوماسي فذ، وبحضور سياسي متميز، كما أن هذه المذكرة المهمة التي ظلت نقطة مضيئة في تاريخ المجلس الوطني الاستشاري، وقلما نجدها في المجالس الاستشارية المعنية، أثبتت أن تريم عمران كان شخصية مقبولة من الجميع، وأن هناك إجماعاً على نزاهته وإخلاصه للمصلحة العامة والوطن. وكانت المذكرة المشتركة تتويجاً لهذا النشاط الذي قام به المجلس الوطني في تلك الفترة، وأقنع أعضاء الحكومة بالتصديق عليها ورفعها إلى المجلس الأعلى باسم المجلسين وتضمنت بنود المذكرة المشتركة التالي: تدعيم الاتحاد في هذا الشأن جاء في المذكرة المشتركة: إن الاتحاد هو قدرنا ومصيرنا المشترك، إذ لم تعد الكيانات الصغيرة قادرة على أن تشق طريقها بأمان في عالمنا المعاصر، وأن تواجه بمفردها التحديات الكبيرة والمتغيرات الدولية خاصة في منطقتنا التي تتميز بقلة الكثافة السكانية وتزايد الأطماع الأجنبية في ثرواتها النفطية الكبيرة، لذلك كان الاتحاد ولا يزال تجسيداً حقيقياً لآمالنا، وتعبيراً واقعياً عن وحدة شعبنا الذي قاسى سنين طويلة من عوامل التخلف والفرقة، وأصبح تدعيم هذا الاتحاد والانطلاق بالعمل الوطني نحو الوحدة ضرورة حتمية لتوفير أمن البلاد وتحقيق استقرارها وتقدمها، وتوفير حياة أفضل واستقرار أمكن ومكانة دولية أرفع للإمارات العربية المتحدة ولشعبها جميعاً. وانطلاقاً من هذا الفهم بذلت محاولات عدة لتدعيم الكيان الاتحادي للدولة، وشكلت لهذا الغرض لجان فرعية من المجلس الأعلى للاتحاد ولجان للمتابعة من مجلس الوزراء، ولجنة مشتركة من مجلس الوزراء والمجلس الوطني الاتحادي، وقد أجمعت هذه اللجان على ضرورة اتخاذ الخطوات الضرورية لترسيخ دعائم الاتحاد، وتقوية المؤسسات الاتحادية وزيادة فعاليتها والتغلب على المشكلات والعقبات التي تعترض المسيرة الاتحادية. الأمن الداخلي وعن الأمن الداخلي، جاء في المذكرة المشتركة: إن مفهوم الأمن الداخلي لا يتمثل في أمن الفرد وحده، بل وأمن الدولة كذلك، وهو الأخطر والأهم، والأمن كل لا يتجزأ، ولا يجوز له أن يتجزأ، فالتجزئة تولد عدم الترابط وتخلق الثغرات التي يتسلل منها الخلل والاضطراب، ولذلك فإن تجزئة الأمن، هي في ذاتها تهديد للأمن، وتبعات الأمن في الظروف العادية، هي تبعات جسيمة، وهي في ظروف بلادنا أشد جسامة بسبب الكثافة البشرية التي تستوردها البلاد من مستويات متنوعة وجنسيات متعددة، وهذه العمالة المستوردة تحمل بين طياتها نذر الخطر، لما يمكن أن يندس بينها من عناصر، وتلقي على الدولة حملاً أمنياً إضافياً، لا يجوز تجاهل خطورته. وأن الدول النامية خاصة ذات الموقع الاستراتيجي والغنية بالثروات الطبيعية تكون هدفاً للأطماع، وعرضه لتياراتها المناوئة التي تستغل فرصة انشغال الدولة في بناء نهضتها، لبث سمومها ونشر عقائدها، وتتربص للفرصة المناسبة للنيل من الدولة، وأن اليقظة لمثل هذه التيارات التي تتسرب عادة في الخفاء، أو تتستر وراء شعارات زائفة، هي من من أهم أجهزة الأمن الداخلي التي يقع عليها عبء الكشف عن هذه النشاطات، وضبطها والقضاء عليها في مهدها. الهجرة وفيما يتعلق بالهجرة مما ورد في المذكرة: إن الانفتاح في استيراد العمالة، وفتح باب الهجرة إلى البلاد من دون تخطيط، ألقى على الدولة أعباء اقتصادية ثقيلة، ذلك أن التزايد مستمر في أعداد الوافدين إلى البلاد، أدى إلى ضغط مستمر على طلب الخدمات العامة، وإلى خلق حاجة غير طبيعية إلى التوسع فيها، وبالتالي تضخم الاعتمادات اللازمة لمواجهتها. وفضلاً عن هذه الأعباء الاقتصادية، ألقت العمالة المستوردة عبئاً أمنياً إضافياً يفوق في خطورته الأعباء العادية للأمن، كما ألقت عبئاً اجتماعياً أثر في نقاء الوجه العربي الأصيل للبلاد، ولا تتخذ الهجرة دائماً طريقها المشروع، إذ إن عمليات التسلل والتسرب تسلط طريقاً غير مشروع، مستغلة في ذلك عدم إحكام الرقابة الكافية على منافذ البلاد، الأمر الذي يزيد في تفاقم الأخطار. الجنسية وعن الجنسية، مما جاء في المذكرة: تحتل شؤون الجنسية أهمية بالغة لارتباطها باعتبارات سياسية تتعلق بمصالح الدولة العليا، وهذه الاعتبارات السياسية تتحكم في كل مسائل الجنسية، خاصة مسائل التجنس، فمن الاتجاهات السياسية السائدة والمتعارف عليها أن الدولة لا تقبل طلب الفرد في التجنس، ولا تمنحه جنسيتها إلا بعد التثبت من ولائه لها، وجدارته بحمل جنسيتها، وصلاحيته والانخراط في مجتمعها، وأن تكون للدولة مصلحة تحققها من منحه جنسيتها، وتتم عملية التجنس عادة في حدود أعداد تقدرها الدولة، حتى لا تطغى طائفة المتجنسين على طائفة المواطنين، وكل هذه القيود التي تفرضها عادة قوانين الجنسية، تستهدف حماية الدولة ورعاية مجتمعها ومواطنيها، وحتى لا تقحم بين رعاياها أفراداً يكونون عبئاً اقتصادياً أواجتماعياً، أو لا يحققون للدولة مصلحة تقابل إسباغ جنسياتهم عليهم، ومنحهم حقوق مواطنيها. توحيد الدخل ومما ورد في المذكرة حول توحيد الدخل والمحافظة على الثروة الوطنية: أن الدولة لا تملك الموارد الذاتية التي تعتمد عليها في بناء قوتها ونهضتها، ولم يعد مقبولاً أن تعتمد الدولة في تدبير مواردها على ما قد تجود به إمارة، أو لا تجود به الأخرى. كذلك فإن مسؤولية الدولة عن إقليمها، تقتضي إقامة التكافؤ، لا أن ينضح أحدها بالثروة، بينما يشكو الآخر من عدمها، الأمر الذي ينعكس بآثاره، في اختلاف قدرات كل منها على تحقيق النهضة، وفي اختلاف الفرص الاقتصادية والاجتماعية المتاحة لمواطنيه. مصادر دخل إضافية ومن المعلوم أن البترول هو المصدر الرئيسي للدخل القومي، وأنه مصدر سائح وعابر، ولذلك فإنه ينبغي تكريس الاهتمامات القصوى لحسن استغلاله، وتوظيف فوائضه في خلق بدائل، وتنمية مصادر أخرى من الدخل القومي، تتيح لنا في المستقبل دخلاً لا يقل عن الدخل الحالي، الذي يتيحه إنتاج البترول وتصديره. إن بلادنا غنية مالياً، فقيرة اقتصادياً، ولسنا نريد لأبنائنا وأجيالنا المستقبلة أن تعاني بعد نفاد الثروة، ما عانى آباؤنا قبل ظهور الثروة ولذلك فإنه ينبغي سرعة التحرك إلى التخطيط لخلق قاعدة اقتصادية صلبة، تعتمد على تعدد الاستثمارات ومصادر الدخل، لتدعيم اقتصادنا القومي، وتأمين مستقبلنا وفاءً لأبنائنا وأجيالنا المقبلة. الاقتصاد الوطني وفيما يتعلق بالاقتصاد الوطني ورد في المذكرة: من الظواهر التي تبعث القلق الشديد، ظاهرة التغلغل الأجنبي في النشاط الاقتصادي، ومنافسة رؤوس الأموال والخبرات الأجنبية لرؤوس الأموال والخبرات الوطنية، منافسة غير مكتملة وغير مشروعة. وأن هذا الغزو الاقتصادي من شأنه أن يؤدي إلى وقوع الاقتصاد الوطني فريسة في قبضة النفوذ الأجنبي، يمتصه ويستغله لمصالحه دون رعاية للمصالح الوطنية، ومما يرتبط بهذه الظاهرة الخطيرة ظاهرة تزايد المصارف الأجنبية العاملة في البلاد تزايداً رهيباً، أدى مع عدم وجود الرقابة الفعلية عليها إلى تحالفها مع المصالح الأجنبية، وتسلطها على النشاط المالي والمصرفي وتسخيره لمصلحتها، كما أدى إلى إضعاف دور المصارف الوطنية وتواريها في الظل وضياع المصالح الوطنية، كذلك في مجال الثروة العقارية تزايدت الملكيات الأجنبية للأراضي والعقارات، وأصبح جزء لا يستهان به من هذه الثروة في أيدٍ غير وطنية. التخطيط ومما جاء عن التخطيط في المذكرة: إن التخطيط مطلب أساسي، وإن المرحلة الراهنة في ضوء الأوضاع الحالية، أصبحت تستوجب وضع استراتيجية إنمائية شاملة، تعتمد على التخطيط العلمي السليم، وتساعد على وضوح الرؤية المستقبلية وتعمل على تعبئة كل الطاقات والإمكانات، وتوجيهها نحو أهداف مرسومة في إطار خطط إصلاحية، ٍذات برامج مرحلية زمنية، توجه مسارات التقدم نحو الغد الأفضل للوطن والمواطنين. إن غياب هذا التخطيط الشامل يفرز الازدواجية والارتجالية، ويبعثر الجهود والثروات، ويؤثر سلباً في تحقيق التنسيق والتكامل، وفي الارتفاع بمعدلات التنمية، وصولاً إلى النهضة المنشودة. إصدار القوانين واحترام تنفيذها جاء في المذكرة المشتركة المرفوعة إلى المجلس الأعلى لحكام الإمارات من المجلس الوطني الاتحادي ومن مجلس الوزراء لدولة الإمارات العربية المتحدة يوم 6 فبراير 1979، إن القوانين توجه سلوك المجتمع وتنظم معاملاته والعلاقات بين أفراده، كما تنظم أوجه النشاط المختلفة العام منها والخاص، فالقوانين هي أداة تطوير وعجلات تقدم. وترتيباً على ذلك فإن الإبطاء في إصدار القوانين بعد إعدادها يخلق فراغاً تشريعياً، يضر بالمصالح والنشاطات المرتبطة بها، ويعطل من حركة التطور، كذلك فإن عدم تنفيذ القوانين بعد إصدارها يمثل تحدياً لها واعتداء عليها يهدد هيبتها وقوتها في المجتمع. بناء المواطن هدف كل إصلاح فيما يتعلق ببناء المواطن جاء في المذكرة المشتركة المرفوعة إلى المجلس الأعلى لحكام الإمارات من المجلس الوطني الاتحادي ومن مجلس الوزراء يوم 6 فبراير 1979، والتي كان تريم عمران، رحمه الله، مهندسها: إن رفعة الأوطان وبناء مجدها لا يقوم إلا على أكتاف أبنائها، وبقدر تهيئة المواطن يكون إسهامه مثمراً، وعطاؤه لبلده بغير حدود، وفي هذه المرحلة التاريخية التي نشق فيها طريق البناء والتقدم ينبغي أن تكون التنمية البشرية وبناء المواطن هدفاً لكل إصلاح، وغاية كل جهد أو استثمار، فإن أفضل استثمار هو في صنع الرجال وخلق الأجيال القادرة على تحمل المسؤولية وقيادة العمل الوطني في البلاد، وبناء المواطن يكون فكرياً واقتصادياً وسياسياً. أما البناء الفكري، فإن الدولة لم تدخر وسعاً في نشر التعليم، وفتح أبوابه على مصاريعها حتى التعليم الجامعي. أما البناء الاقتصادي للمواطن فإن بلادنا تحتل المراكز الأولى بين الدول التي يرتفع فيها نصيب الفرد من الدخل القومي، ومع ذلك فإن جماعات كثيرة من مواطنينا لا تملك أسباب الحياة الكريمة اللائقة، وقد قدمت الدولة الإعانات الاجتماعية، التي خففت من المعاناة لكثير من الأسر غير أن هذه الإعانات لا تمثل في مجموعها إلا قدراً ضئيلاً من الدخل القومي، وإذا كانت هذه الإعانات قد استطاعت أن توفر لهذه الأسر قدراً من الغذاء أو الكساء، إلا أنها أخفقت في رفع مستواها المعيشي وأبقت عليها عالة تعيش على ما تجود به الدولة. توحيد القضاء وتبعيته للدولة جاء في المذكرة المشتركة أن القضاء ساحة عدالة وإحقاق للحقوق، والعدالة هي ميزان بالقسط وهي أساس الملك، وإن الدولة بوصفها المسؤولة عن كل مواطنيها تقع عليها مسؤولية إقرار العدالة بينهم، الأمر الذي كان يستتبع وحدة القضاء وتبعيته للدولة، كسلطة من سلطاتها. وإذا كان الدستور المؤقت قد تجاوز هذا المبدأ، وأقر للإمارات حق الاحتفاظ بقضائها، إلا أنه أجاز لها كذلك الاندماج في القضاء الاتحادي. وقد قامت أربع إمارات بإدماج قضائها في القضاء الاتحادي، وبقيت ثلاث منها خارج دائرته. إن ضرورة سير القضاء على سنن واحدة، تحقق المساواة والعدالة بين الجميع، تقضي توحيد أجهزة القضاء وإدماجها في سلطة واحدة، هي السلطة القضائية. كذلك فإنه يجب تأكيد الاختصاص الدستوري للمحكمة الاتحادية العليا، وضرورة احترام أحكامها، باعتبارها أحكاماً ملزمة لا يجوز التحلل منها، أو الالتجاء إلى وسائل أخرى. إزاحة حواجز العجز عربياً من الذي يتحرك اليوم باتجاه قلب الأمة العربية..؟ ليس زعماء الضفة.. بل رفض الهزيمة.. احتمال الموت وارد، ولكن ما أسهله.. ما أروعه.. الأمة العربية اليوم تتكلم بالسلم، رافضة الاستسلام.. الأرض لن تفرغ من أصحابها، بل تملأ بالمواليد، والدم إذا لزم الأمر.. فنحن في حاجة لزمن التهور الذي يبدأ بخطوة .. يخطوها اليوم الكبار. الخليل أرض الأنبياء، اللحم المر الذي لا يستسيغ الاغتصاب مضغه.. هي اليوم قبلة كل المدن العربية.. مكة.. القدس.. القاهرة.. الرباط.. دمشق.. بغداد.. دعاء الملايين، لبدايات طوابير الشهداء والمجد. في زمن الحكمة وارتفاع سخام العقلاء، هؤلاء أعقل أهلنا يعز عليهم أن ينساقوا في زمن التساقط، فارتفعوا ليهيلوا التراب فوق المنكبين على أحذية كارتر، ومن ثم بيجن.. الخليل تفتح بلاطاً جديداً للشهداء، ولا تطالب بالمساندة، مستكفية بضحاياها، وهي تعلم كم ترابها خصب بالدماء.. وتعلم إنها بتعففها عن الصراخ، وتعاليها عن الاستنجاد بالمرميين في الوحل، إنما تفجر البركان الذي نظنه خمد. عصر الحيتان والسردين فتح الأخوار في كل مكان مزاد الدفاع عن الخليج، حتى ينام أهله المرتعبون ملء عيونهم، ويتركوا لغيرهم أن يموت من أجلهم.. الأخ آغا شاهي في لندن طلب بصفته وزيراً لخارجية باكستان، ونائباً للرئيس المؤمن ضياء الحق مبلغ خمسة مليارات من الدولارات فقط لا غير حتى يوفر لنا النوم الهنيء. أمريكا نفسها أعلنت تمديد حدود أمنها القومي ليشمل منطقة الخليج. ثم شدت حزام الأطلسي حول بطنه الجنوبي، ليصل إلى نفس المدى، وكذلك اتفقت مع انجلترا على تحويل جزيرة ديجو جارسيا في المحيط الهندي إلى حاملة طائرات ثابتة ومدججة. بل وأتمت حشدها هناك لنفس الأسباب. الشاه الذي تولاه الله بعقابه كان أيضاً ينصب نفسه شرطياً مطلق الصلاحيات في البلاد والعباد وفي الخليج أيضاً. قبله كانت بريطانيا شرطياً مقيماً في دور الاعتماد، ولما أعلنت خروجها المشين من شرقي السويس قيل يومها إن أولي الأمر في المنطقة عرضوا عليها البقاء مقابل دفع نفقات الاحتلال، وعساكر الاحتلال.. فقط احتلونا وفقكم الله ولكم الأجر والثواب! يومها خرجت الاكسبريس جريدة المحافظين، تقول إن عسكر الملكة أطال الله عمرها ليسوا مرتزقة، ولا يعملون بالأجر، لسبب بسيط أنهم لم يعرضوا بعد في سوق الحريم.. إهانة.. بعد إهانة.. بعد إهانة. حتى شليزنجر الأمريكي القبيح هددنا سنة قطع النفط 1973، بأننا غزلان طرية اللحم في غابة من الكواسر.. فهل علينا أن نقول إن هذا الكلام صحيح، ونؤجر قوة من هنا أو هناك لتحمينا كي ننام.. فقط ننام؟ إن الثروة تحتاج إلى قوة بحجمها وإلا ضاعت.. هذه حقيقة يجب أن نفهمها، وإن أمن المنطقة يعلو على الحساسيات القبلية، والنزاعات الحدودية، هذه حقيقة أخرى. الحل اتفقوا يرحمكم الله، فمنطق عصر الحيتان الكبيرة يحب تكاثر السردين.. لأنه غذاء سهل الابتلاع. فن التقدم للخلف في عمان التي تنتظر اجتماع قمة عربية في نوفمبر/تشرين الثاني، هناك الآن اجتماع لوزراء الاقتصاد العرب.. وكالعادة واستكمالاً للتراث وضع للاجتماع شعار رنان.. ولا أبدع الاستراتيجية الاقتصادية العربية.. والذين تعودوا على مثل هذه اللقاءات ومثل هذه الشعارات لم يشغلوا بالهم بالمتابعة، أو حتى الالتفات.. فماذا سيفعل وزراء اقتصاد الجامعة العربية؟ وماذا ينتظر منهم وقد فشلوا في خلق أي تنسيق داخل السوق العربية؟ فالجمارك هي الجمارك، والحواجز هي الحواجز، والسلعة العربية مضروبة، والسلع الإسرائيلية تتسرب بأسماء وطنية، وتملأ الأسواق وأرفف الدكاكين.. والعمالة العربية مهانة في كل أرض قحطان، مضغوطة بتشغيل الأجانب، مجلودة بالقرارات والقوانين الطاردة، فلا حقوق، أورعاية، بل طرد مهين عند نهاية المدة. أوروبا التي هي عشرون لغة، وأكثر من عشر قوميات، وعداوات تاريخية دموية بين الفرنسيين والألمان، والألمان والإنجليز، وبين أهل النمسا وأهل إيطاليا، ورغم ذلك فإنهم عرفوا كيف يتكلمون بالأرقام والمصالح، ومن خلال السوق المشترك، أصبح لهم برلمان مشترك، ومجلس وزراء مشترك، وحرية في انتقال العمال ورؤوس الأموال، وبدون شعارات فإنهم يتقدمون، بكلام أقل، وعزم أكبر. نحن العرب في حاجة لخطة جديدة لمواجهة هذا العصر. وهي لن تكون بمؤتمر يتكلم، بل بحركة عربية واحدة تتخطى كل هذا العجز، وتجمع كل هذا الشتات، ومن دون ذلك فإن الكلام سيطول.

مشاركة :