بعد حل المجلس النيابي الفرنسي، يواجه الرئيس إيمانويل ماكرون أزمة حكم في فرنسا تعطل عهده الثاني الذي ينتهي في 2027. بعد أن سحب نواب الحزبين المتطرفين؛ اليمين التجمع الوطني واليساري تحالف فرنسا الأبية، الثقة من رئيس الحكومة السابق ميشيل بارنيي، مفاوض البريكست الذي ينتمي إلى حزب اليمين الجمهوري الفرنسي، بعد ثلاثة أشهر من توليه المنصب، قام ماكرون بتعيين الوسطي السياسي المخضرم فرانسوا بايرو لتشكيل حكومة والسعي للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي. فرنسا تعاني من عجز مرتفع يمثل أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، بمستوى 166 مليار يورو. كيف يمكن لبايرو إيجاد أغلبية توافق على الموازنة للسنة القادمة والموافقة على قانون الهجرة والأمن؟ المعضلة تكمن في أنه ليس لأي حزب في البرلمان الفرنسي الجمعية الوطنية أغلبية مطلقة، وهي 289 نائبًا من أصل 577 نائبًا. وللمرة الأولى منذ 45 عامًا تنهي فرنسا السنة دون موازنة للسنة المقبلة، ما دفع وكالة موديز الأمريكية إلى خفض التصنيف الائتماني لفرنسا. تشكيل حكومة أوسع من حكومة بارنيي سيكون مهمة بالغة الصعوبة للوسطي بايرو. يتوجب عليه إقناع اليسار الاشتراكي بالمشاركة واليمين الجمهوري بالإبقاء على وزير الداخلية الحالي برونو روتايو، الحريص على إدخال قانون هجرة جديد متشدد، في حين يرفض الاشتراكيون ذلك. كما يجب على بايرو إقناع المتطرفين من اليمين واليسار بعدم حجب الثقة، خصوصًا مع إصرارهم على إلغاء أو تجميد قانون رفع سن التقاعد إلى 64 عامًا، الذي تم تبنيه في حكومة إليزابيث بورن. مهمة بايرو الضخمة شبّهها بمهمة جبل همالايا. تجدر الإشارة إلى أن بايرو هو رئيس الحكومة السادس لماكرون. مصرف فرنسا المركزي خفض توقعاته للناتج المحلي الإجمالي لعام 2025 إلى 0.9% مقارنة بـ 1.2% سابقًا، نتيجة عدم اليقين السياسي وغياب الموازنة. المحرك الآخر للاتحاد الأوروبي، ألمانيا، يعاني أيضًا أزمة سياسية. خسر المستشار الألماني أولاف شولتز الأغلبية في البرلمان، وتفكك تحالفه الحاكم في نوفمبر الماضي، ما دفع لتعيين انتخابات جديدة في 23 فبراير المقبل. اقتصاد ألمانيا شهد جمودًا منذ سنوات. تحالف شولتز، المكون من الحزب الديمقراطي الاجتماعي SPD مع حزب الديمقراطيين الأحرار الليبرالي وحزب الخضر، خسر في التصويت. من المتوقع أن يستغرق تشكيل تحالف جديد مع الأحزاب المحافظة، وعلى رأسها الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU، وقتًا طويلًا. الاقتصاد الألماني يواجه تحديات كبرى تهدد موقعه. الصين بدأت تنافس الصناعات الألمانية، واحتمال فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضرائب على الواردات الأوروبية يهدد الصادرات الألمانية. البعض ينتقد حكومة شولتز لفشلها في تجديد البنية التحتية ومعالجة البيروقراطية في إداراتها. اقتصاد ألمانيا لم ينشط منذ سنتين، والشركات الألمانية تتوقع سنة إضافية دون نمو. خلال العامين الأخيرين زادت البطالة لتبلغ أكثر من 6% في نوفمبر. ومع ذلك، لا تزال ألمانيا بلدًا صناعيًا أساسيًا؛ إذ تمثل صادراتها 5/4 من صادرات الولايات المتحدة، رغم أن عدد سكانها يمثل ربع عدد الشعب الأمريكي. لكن الصناعات الألمانية عانت من ارتفاع كلفة الطاقة بسبب العقوبات على روسيا وتراجع إمدادات الغاز الروسي، خصوصًا في قطاعات الكيماويات والحديد. وفقًا لوكالة بلومبرغ، فإن مشكلة البيروقراطية الألمانية تعيق الاستثمار والتجدد. لا يتم صرف مبالغ كافية على البنى التحتية، والبلاد بطيئة في تبني التقنيات الرقمية التي من شأنها تحسين الإنتاج. ورغم كل التحديات، يبقى العجز الألماني أقل بكثير من الفرنسي والإيطالي. لا تزال ألمانيا الاقتصاد الأول في أوروبا، لكنها بحاجة لمعالجة مشاكلها لاستعادة مكانة قوية. فرنسا وألمانيا، المحركان الأساسيان للاتحاد الأوروبي، يشهدان أزمتين سياسيتين واقتصاديتين. ورغم أن الوضع المالي في ألمانيا أفضل من فرنسا، إلا أن هذا الوضع يؤثر على الدور الأوروبي عالميًا، خصوصًا مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية بشعار أمريكا أولًا، في وجه اتحاد أوروبي يحتاج إلى تعافي محركه الفرنسي-الألماني.
مشاركة :