في اللحظة التي كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتباهى بحضور قمته مع الدول الافريقية في سان بترسبورغ مجموعة من الحرس الرئاسي بقيادة الجنرال عبد الرحمان تشياني في النيجير قلبت الرئيس محمد بازوم الذي انتخب ديمقراطيا في فبراير ٢٠٢١ . وتجمع مؤيدي الانقلاب على بازوم في جوار السفارة الفرنسية في نيامي يحملون العلم الروسي. إن انقلاب النيجير الذي أدانه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وبقي على اتصال مع الرئيس المخلوع ينعي سياسة ماكرون في جنوب الصحراء حيث كان التزامه في ٢٠١٨ أن يبقى في الساحل حتى الانتصار على الجهاديين . لكنه اضطر إلى سحب القوات الفرنسية السنة الماضية بعد تغيير الحكم فيه كما أخرج القوات الخاصة من بوركينا فاسو . في النيجر لفرنسا قاعدة جوية عسكرية مع حوالي ١٥٠٠ جندي لمحاربة الإرهابيين. فانقلاب النيجير كما شبكات التواصل الاجتماعي أظهر نقمة شعبية من الشعب النيجيري على فرنسا المستعمرة السابقة في القارة الافريقية . كأن فرنسا سبب المشاكل الإفريقية العديدة كثرت التعليقات من ناشطين افارقة ينددون بالموقف الفرنسي والغربي المطالب باحترام بازوم المنتخب ديمقراطيا بالقول إن المطلوب إدارة الدولة الجيدة بعيدا عن الفساد والتبذير وافتقار البلد فضلا عن الديموقراطية . كأن فرنسا مسوؤلة عن فساد الإدارة وتبذيرها في هذه الدول أو أن روسيا وقواتها إن كانت قوات الرئيس الروسي بوتين أو ميليشيا فاغنير ستحل المشاكل السياسية والاجتماعية المعقدة في دول الساحل الفقيرة . عمدت الخارجية الفرنسية أمس إلى إجلاء رعاياها من النيجير. إن مشكلة فرنسا أنها لم تتمكن من مكافحة كاملة للتهديد الإرهابي الجهادي في دول الساحل . ما زالت فرنسا على علاقة جيدة مع موريتانيا وحاول ماكرون إقامة علاقات جيدة مع الجزائر لكنه لم ينجح بسبب الموقف الجزائري الدائم بإثارة الماضي الاستعماري والشكوك تجاه فرنسا التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من النظام الجزائري.. علما بأن الجزائر حاليا قلقة جدا من الانقلاب في النيجير الذي لديها حدود معه. يقول سفير فرنسي سابق جيرار ارو لمجلة لوبوان الفرنسية وهو من الدبلوماسيين الفرنسيين اللامعين: "إنني كنت أطالب منذ أكثر من ١٨ شهر بمراجعة سياستنا بالعمق في الساحل عندما كنا قد طردنا من مالي ثم من بوركينا فاسو والآن في النيجير وكل مرة الانقلابيين يستخدمون مشاعر الشعب المقاومة للاستعمار الفرنسي ليقدموا انقلابهم كأنه تحرير من المستعمر وكل مرة يرفرفون العلم الروسي امام السفارة الفرنسية". إن المصالح التجارية الفرنسية في القارة الإفريقية قليلة فهي تمثل ٥ في المئة من التبادل التجاري والاستثمارات الخارجية أما اليورانيوم في النيجير فيمكن بسهولة إيجاده في أماكن أخرى لأنه موجود بكثرة. ولكن يرى آرو أن المشكلة سياسية إذ إن فرنسا لم تدرك أن مستعمراتها الماضية أصبحت مستقلة وأن تتعامل معها بهذا الشكل . وإن الشباب الإفريقي لم يعد يرضى بمثل هذه الهيمنة حسب الدبلوماسي الفرنسي ارو. كان الفشل ذريع في مالي إذ إن منطقة عمل الجهاديين توسعت ما أدى إلى استياء شعبي من الوجود الفرنسي . غردت النائبة البيئية الفرنسية ساندرين روسو ان النيجير يزود المعامل النووية الفرنسية باليورانيوم ولكن اريفا الشركة الفرنسية التي استخرجت ٢١٨٦ طن من اليورانيوم في ٢٠٢١ أغلقت موقعها التاريخي في النيجير. إلا أن هناك موقع آخر لشركة اورانو التي بقيت تزود زبائنها الدوليين والفرنسيين . ولو توقف تزويد فرنسا من اليورانيوم لن يكون له أثر كبير لأن لديها احتياطي من اليورانيوم لسنتين وبإمكان الشركة الفرنسية شرائه من أماكن عديدة أخرى. لكن المشكلة هي سياسية وخروج فرنسا من إفريقيا لصالح روسيا التي تغزو أوكرانيا هو اضعاف التأثير الأوروبي في القارة الافريقية التي رغم كل ذلك هي بحاجة أكبر إلى أوروبا من روسيا. بكل أحوال سبقت الصين الجميع ودخلت بقوة في القارة الافريقية وقد تتقدم على القوة المستعمرية السابقة وعلى روسيا لأنها أجدر على الصعيد الاقتصادي الإنمائي وهذا ما تحتاج إليه هذه الدول الافريقية.
مشاركة :