كلما تسأل مسوؤلاأو دبلوماسيا فرنسيا عن سبب منع رئيسهم ايمانويل ماكرون العباءة في المدرسة في حين أن لا مشكلة مماثلة لا في بريطانيا ولا الولايات المتحدة أو في ألمانيا يجيب إن الجمهورية الفرنسية جاهدت للتوصل إلى دستور يحمي العلمانية . واقع الحال أن في فرنسا أكبر عدد من المسلمين في أوروبا وهم حوالي ٥ مليون ونصف من أصل هجرة شمال افريقيا . فالمشكلة أن عدد متزايد من المجتمع الفرنسي يرى أن معظم الفرنسيين الذين ولدوا في فرنسا من أصل إما جزائري أو مغربي أو تونسي لم يندمجوا بالقوانين الفرنسية منها العولمة. هؤلاء يعيشون في ضواحي المدن الكبرى كأنهم في الدول التي يأتون منها. وبعد كل العمليات الإرهابية التي تعرضت إليها المدن الفرنسية باريس ونيس وغيرها باسم الإسلام المتطرف من جهاديين معظمهم من أصل مغربي أو جزائري أو تونسي ازداد شعور بعض الفرنسيين بالتخوف والحذر من كل ما يرتبط بالإسلام . كما ازداد تطرف الأحزاب اليمينية إزاء الهجرة المسلمة على غرار حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبن الذي شهد صعودا في شعبيته، حتى الحزب اليميني المعتدل حزب الجمهوريين الذي يرأسه ايريك سيوتي رئيس المجلس العام لمنطقة الالب ماريتيم Alpes Maritimes يؤيد التشدد إزاء الهجرة المسلمة . وكان ملفتا أن رئيس الحكومة الاشتركي السابق ليونيل جوسبان الذي خسر انتخابات الرئاسة في عهد الرئيس الراحل جاك شيراك أيّد قضية منع العباءة في المدارس. يقول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إن قرار الحكومة منع العباءة في المدارس الرسمية يهدف إلى "الدفاع عن العلمانية ومبادئ الجمهورية". فور منع العباءة بدأت بعض الفتيات في المدارس تبتكر زي يختلف عن العباءة ولكن مشابه له مثلا ارتداء سروال واسع مع قميص طويل فوقه. وقال ماكرون في مقابلة على اليوتيوب إنه يؤيد اجراء تجارب لكي يرتدي التلامذة زيّا أحاديا كونه أكثر قبولا من قبل المراهقين. وزير التربية في حكومته غابريال اتال يؤكد بعد عودة التلاميذ إلى المدارس من عطلة الصيف أن ٢٩٨ تلميذا دخلوا الى المدارس بالعباءة و٦٧ منهم رفضوا خلعها، فقال إن أغلبية كبرى وافقت على عدم ارتدائها. إن قضية العباءة تبدو للمراقب الزائر إلى فرنسا كأنها قضية تافهة نسبة لمشاكل فرنسا الكبرى من اقتصادية إلى اجتماعية إلى سياسية ولكنها بالفعل جزء لا يتجزأ من المواقف السياسية في البلد التي تتشدد إزاء الإسلام . بحجة العلمانية التي هي فعلا قانون فرنسي أغلبية السياسيين في البلد يركبون موجة التخويف من صعود الهجرة الإسلامية الأصل. فشل عهود جميع الرؤساء في مواجهة مشكلة عدم اندماج سكان الضواحي للمدن الفرنسية وتراجع أوضاعهم المعيشية أدى الى لجوء عدد من شبان الاحياء الصعبة إلى أعمال عنف وارتكاب سرقات وقتل وغيرها من أعمال مخربة جعلت عدد كبير من الشعب الفرنسي يخلط بين الإسلام وأعمال هؤلاء . لكن المجتمع الفرنسي عموما هو من أكثر المجتمعات المتسامحة. فليس هناك بلد مثل فرنسا تعامل مع قضية المهاجرين المسلمين الذين استقبلتهم منذ خمسين سنة وأجانب من طوائف عدة . حصلت هذه الهجرة على حقوق واسعة بالتساوي مع حقوق الفرنسيين. بإمكانهم بسرعة الحصول على الجنسية الفرنسية. عموما أبدى المجتمع الفرنسي في أغلبيته بعد العمليات الإرهابية في نيس وفي باريس نوع من عقلانية إذ إن العمليات التي قام بها تونسي في مدينة نيس وآخرين في باريس لم تؤد الى ردود فعل شعبية عنيفة ضد الإسلام . الفرنسيون ينتظرون من الهجرة التي أتت الى بلدهم أن تحترم قوانين البلد ونموذج الحياة فيه ومبدأ العلمانية لذا تحظى هذه القوانين الجديدة التي يفرضها وزير التربية بشعبية حقيقية بين الناس عموما .
مشاركة :