نكرر دائماً مقولة أن ( مجتمعنا مجتمع محافظ ) وهذه المقولة هي في بعض الأحيان حق أريد به باطلٌ ، فنعم مجتمعنا مجتمع محافظ لدينه وقيمه الإسلامية والتي ساهمت في حفاظنا على عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا الأصيل ، ولكن البعض يستخدم هذه المحافظة لتكون وسيلة للتخلف والإرهاب أوتكون عائقاً للتقدم والتطوير ورفض كل ماهو جديد وإن كان مفيداً أو تُستخدم لتبرير جريمة أو الوقوع في مخالفة . الأسبوع الماضي نشرت وسائل الإعلام خبرقيام أحد الأشخاص بإطلاق الرصاص على طبيب نساء وولادة يعمل في مدينة الملك فهد الطبية بالرياض مبرراً هذا الفعل بأنه قام بإجراء عملية الولادة لزوجته وإن من المفترض أن يكون في المستشفى طبيبة للنساء والولادة. من حق أي زوج عندما تقوم زوجته بمراجعة أي مستشفى - وخصوصاً المستشفيات الخاصة - أن يطلب تحديد جنس الطبيب المعالج لزوجته وفي حالة عدم توفر طبيبة بسبب جدول المناوبات أو عدم توفر التخصصات أو غيرها من الأسباب الإدارية فله أن يقبل بالطبيب المتوفرأو يرفضه ويسعى للبحث عن طبيبة أخرى في موقع آخر فهو ليس مجبراً وله الحرية في اختيار المكان والطبيب الذي يراه مناسباً له ، ولكن أحياناً تكون الحالة حرجة مثل حالات الولادة تلك أو غيرها من الحالات الأخرى والتي يكون فيها المريض بين الحياة والموت وهنا فإن صاحب القرار يجب أن يتحمل مسؤولية قراره سواء في الموافقة على العلاج وفقاً للطبيب الموجود أو نقله لمكان آخر تتوفر فيه الخدمة المطلوبة . دعوى ( إن مجتمعنا مجتمع محافظ ) ماهي إلا شماعة أصبحنا نعلق عليها كثيراً من الممارسات الخاطئة ، فهل المحافظة هي أن يتم استدراج طبيب قام بواجبه وأنقذ أماً وطفلها من الموت بدعوى الشكر والامتنان ثم يغدر به ويطلق عليه الرصاص ويفر المجرم هارباً تاركاً ذلك الطبيب غارقاً في دمائه ؟ هل المحافظة تعني أن نقوم بتهيئة مستشفيات خاصة بالنساء وأخرى للرجال ؟ هل المحافظة تعني أن ألغي من تخصصات الرجال الطبية تخصص النساء والولادة وأجعلها وقفاً على النساء وإن لم تتوفر كوادر طبية نسائية كافية ؟ هل المحافظة هي أن أقوم بإطلاق الرصاص على كل ما أرى بأنه لايتوافق مع رأيي أو رغبتي ؟ الحادثة فردية ولا تعد ظاهرة ولكنها في نفس الوقت أحد الشواهد التي تبين لنا كيف ساهم ذلك التعريف الخاطىء للمحافظة في وجود مثل تلك النماذج البشعة ومثل هذه الجرائم المقززة ، وكيف تمكنت المحافظة الخاطئة من تغيير إحدى أسعد لحظات العمر لدى الإنسان إلى أتعس لحظة بل كتبت على ذلك المولود البريء مأساة ستبقى محفورة في ذاكرته وللأسف مدى الحياة .!! Ibrahim.badawood@gmail.com
مشاركة :