عندما بدأ فريقان سياسيان مستقلاّن ومنفصلان في أميركا البحث عن مرشح ثالث ينافس المرشحين الرئيسيين عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة (هيلاري كلينتون ودونالد ترامب)، لم يكن من المستغرب أن يصلا في بحثهما إلى حالة اقتناع بضرورة تأييد مترشح الحزب الجمهوري «ميت رومني» أو أي شخصية أخرى من داخل الحزب ذاته من أجل استبعاد المرشح المثير للجدل دونالد ترامب من السباق. يحدث هذا بعد مضي نحو شهر على انسحاب السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس تيد كروز من السباق. وبينما تتواصل الحملة وتشتدّ، أعلنت شخصيات بارزة مثل السيناتور الجمهوري عن ولاية نبراسكا «بين ساسي»، والسيناتور الجمهوري السابق عن ولاية أوكلاهوما «توم كوبورن» عن رفضهما القاطع لمطالب وتوسلات المستقلين غير الحزبيين لهما بخوض السباق. وبعد فترة طويلة من الأخذ والردّ، أُغلقت كل المنافذ أمام محاولة اختراع شخصية بديلة في الحزب الجمهوري يمكنها أن تضع حدّاً لأحلام ترامب. ولا يزال القلق المرتبط بهذا الموضوع يستثير اهتمام «ديفيد فرينش» الحائز جائزة «النجم البرونزي» والمحامي اللامع الذي أصبح بين عشية وضحاها هو «المترشح الافتراضي» المنتظر. وعلى رغم سجلّه المثير للإعجاب والحافل بالإنجازات في مهنة الصحافة، خاصة ما يتعلق بتغطية القضايا العسكرية والقانونية، إلا أن إعلانه عن التراجع عن فكرة الترشح الثلاثاء الماضي كان مخيباً للآمال في أوساط المستقلين. وقد نفى بعض السياسيين المحافظين أن يكون إقدام «فرينش» على الانسحاب عملاً يخلو من أي معنى. وقال الصحفي البارز «مات ليويس»، إنه عثر على قرائن، مؤكدة أن «فرينش» أدرك أنه لا يصلح لأن يكون «منافساً حقيقياً في الانتخابات الرئاسية»، وكان هذا مبرراً كافياً بالنسبة له للانسحاب. وقد بذل كل أولئك المتطوعين الذين حاولوا وفشلوا في اكتشاف شخص بديل لترامب، كافة الجهود التطوعية الممكنة لإنقاذ الحزب الجمهوري من الأخطار التي جلبها لنفسه عندما سمح بصعود نجم ترامب. وتستحق مبادراتهم في هذا الإطار وسام الشرف على رغم أنها لم تسجل النجاح المطلوب. والدرس الذي يمكن استقاؤه مما حدث لا يكمن في أن الجماعات التي ترفع شعار «لا لترامب» قد فشلت في تحقيق أهدافها، بل في أن الحزب الجمهوري ذاته هو الذي فشل. وربما يكمن سبب ذلك في أن شخصيات الصف الأول للحزب من سيناتورات وحكام ولايات حاليين وسابقين، هم الذين يفتقرون للبراعة السياسية الكامنة الكافية لإسقاط ترامب في الجولات الانتخابية التمهيدية. وكان تألق ترامب هو الثمن الذي دفعه الجناح المحافظ للحزب الجمهوري نتيجة فشله في الإنصات بعناية للناخبين وعدم قدرته على إظهار مهارات قيادية مقبولة. وبمعنى آخر، إنه الفشل الذي صنعه المحافظون بأنفسهم. وقد فسّر الصحفي اللامع «بيل جاستون» ما حدث بقوله: «تفترض قيادة الحزب الجمهوري أن ناخبيها غاضبون من فشل مسؤولي الحزب المنتخبين في تنفيذ وعودهم التي تقضي بتأليف حكومة مصغّرة وإجراء تخفيض كبير في الإنفاق الحكومي السنوي وفي قيمة الهوامش الضريبية، وبأنهم ضاقوا ذرعاً من تراجع مستوى الأمن المجتمعي وانخفاض نفقات الرعاية الصحية، وأيضاً بسبب مقاومتهم العنيفة لسياسة أوباما فيما يتعلق بالحرية الاجتماعية. وفي هذه الفترة العصيبة، ظهر ترامب ليثبت أن الغالبية العظمى من جمهور الناخبين ما عادوا مهتمين كثيراً بالأجندة الكلاسيكية للعصر الريجاني بدعوى أنها لم تعد قادرة على تبديد مخاوفهم وتحقيق متطلباتهم». وأضاف جاستون: «لقد أساؤوا تقدير مستوى الإحباط الذي يعم شرائح عريضة من المواطنين الذين عانوا التهميش عندما بدأت عوائدهم المادية بالتراجع إلى ما دون مستوى فترة الركود الأعظم». ولا شك في أن الحلول التي يمكن للجمهوريين اقتراحها لتجاوز مشكلة ترامب لن تأتي خلال العام الجاري (2016). وربما لا تتضح عناصرها تماماً إلا خلال الأشهر أو السنوات التي ستعقب الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر المقبل، أي عندما يبدأ البحث الجدي عن شخصيات مؤثّرة من وسط اليمين وبحيث تكون مؤهلة لمحو آثار «الفكر الترامبي» برمته. * محللة وناشطة سياسية أميركية ينشر بترتب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
مشاركة :