تفيد إحصائية عائدة للعام المنقضي وردت في مقال بأحد أعداد لوموند دبلوماتيك، بأنه تمت صناعة 1.4 مليار وحدة من الهواتف الذكية خلاله. وتشتد المنافسة الحادة بين العلامتين التجاريتين الرئيسيتين في مجال صناعة هذا النوع من الهواتف: أبل التي أنتجت 231 مليون وحدة في العام الماضي، وسامسونج الكورية الجنوبية التي أنتجت 324 مليون وحدة في العام نفسه، حيث تتبارى الشركتان في تقديم المغريات التي تجعل بضاعتهما أكثر جاذبية، ويتوزع المستهلكون بينهما، جرياً على العادة تارة أو وقوعاً تحت تأثير هوس اقتناء أحدث جيل من هاته الهواتف. تبدو الهواتف الذكية مظهراً عولمياً بامتياز وعلى أكثر من وجه، ليس أقلها أهمية العبارة المكتوبة خلف أجهزة آي فون والقائلة: صُمم في كاليفورنيا وجُمع في الصين، في إشارة إلى أنه قد يكون مضى، وإلى غير رجعة، الزمن الذي كانت فيه للبضاعة وطن، فقد يكون هذا الوطن، في العديد من الحالات، بمساحة الكوكب نفسه. دليل آخر سنجده في تصنيع الهواتف الذكية ذاتها، فحجمها الصغير الذي لا يكاد يتجاوز راحة اليد، يخفي حقيقة أنها تتطلب أكثر من ثلاثين معدناً تجلب من مختلف القارات، بينها القصدير، وجرى نقاش في مرحلة من المراحل حول أن عوائد شرائه تغذي بعض النزاعات المحلية المسلحة في بلدان إفريقية. وثمة نقاش آخر عن أثر استخدام هذه المعادن في التصنيع في سلامة البيئة وفي صحة العاملين في مصانع إنتاج الهواتف الذكية. لكن تاريخ الصناعة منذ النقلة التاريخية الكبرى من المانيفكتورا البسيطة إلى المصانع الضخمة حمل في أحشائه هذا النوع من التناقضات، فمتى اكترث رأس المال الكبير بصحة العمال المنتجين أو حرص على سلامة البيئة، أو تورع عن تغذية نزاعات مسلحة يجد له فيها مصلحة؟ وهذا هو سبب انبثاق حركات اجتماعية فاعلة مثل الحركات العمالية والنقابية المدافعة عن حقوق العاملين، وحركات أنصار البيئة التي تذود عن نظافتها، حفاظاً على الحياة فوق الكوكب. حديثنا كان عن الهواتف الذكية التي حملت ميزة هذه الصفة التكريمية كونها أشبه بحواسيب صغيرة في جيوبنا، تيسر لنا ما نحتاجه من معلومات وخدمات ضرورية في أية لحظة. وعلى ذلك ترتبت عادات جديدة، حين أصبح الهاتف الذكي الكائن الأكثر حميمية في حياة مستخدميه، ينفقون في تصفحه والتواصل عبره أغلبية الوقت، ولا نقول الكثير من الوقت. بحكم ذلك يتخلى الناس، فرادى وجماعات، عن عادات إيجابية كثيرة كانوا يخصصون لها وقتاً، أتت الهواتف الذكية لتسرقه، ولتؤسس، بالنتيجة، عادات غبية، وربما أفراداً أغبياء. madanbahrain@gmail.com
مشاركة :