حروب السادة الكتّاب: «طيف يذهب ولا يعود»

  • 6/7/2016
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

عندما بدأت في إعداد هذه السلسلة، وضعت عنوانًا عامًا لها هو «حروب السادة الزملاء». ثم ترددت لأن في العنوان شيئًا من الادعاء؛ إذ بين الذين عثرت على «حروبهم» صحافيون كبار. ثم وجدت أيضًا أن أكثر الحروب طرافة وغنى خاضها كبار الأدباء والشعراء. فهل يكون العنوان إذن، «حروب السادة الكتّاب»؟ إنه عنوان أكثر دقّة، ولكن أيضًا أقل «صحافة»، ولا يلائم زاوية قائمة على الاختصار. أخيرًا، اعتمدت «حروب السادة الكتّاب» لأنه الأكثر شمولاً للموضوع. وفوجئت، وأنا أستكمل البحث في الرفوف القديمة وعطر الغبار، أن الأكثر عنفًا في خوض الحروب كانوا الأكثر أدبًا وسمعة: طه حسين، والمازني، وزكي مبارك، وأحمد عبد الرازق، وقس على ذلك من ذوي هذه الأسماء التي لم تتكرر في سماء العرب. أحببت كثيرًا عنوان كتاب صدر في نيويورك أخيرًا، هو «الطيف يذهب ويعود». وذلك الطيف من ألوان مصر الجميلة ذهب إلى غير عودة. وعندما تتأمل، مجددًا ودومًا، في آثار بعض أولئك السادة، أول ما يخطر لك هو: كيف يمكن أن يتكرروا؟ هل من السهل إيجاد نسخة حديثة عن ذلك الأصل النادر؟ لماذا ظهروا في عصر واحد؟ وفي ذلك العدد وذلك اللمعان؟ وباللمعان هنا لا أعني الشهرة، بل بالمعنى الذي وصف فيه أبو العلاء المعري أبا الطيب المتنبي «اللامع العزيز». جميع الذين نعنيهم هنا، بدأوا، في شكل أو آخر، في العصر الملكي، وامتد بهم العمر والعطاء إلى ما بعده بكثير. وبالعصر الملكي، لا أعني إطلاقًا أنه أكثر خصوبة. ولا أعني أن العصر الإمبراطوري في روسيا كان أكثر ازدهارًا بسبب الإمبراطور، بل العكس، أي بسبب معارضة الحياة في ظله. ولكن العصر الملكي في مصر، أو جزءًا منه، لم يعرف السجون والتنكيل والتعذيب. وأقصى ما فعله الملك فؤاد في أمير شعراء الفصحى أحمد شوقي أنه نفاه إلى أجمل بقعة حلم نزار قباني أن يُنفى إليها، الأندلس. وذات يوم، التقيته بعد عودتي من مؤتمر في غرناطة، فقال لي: «اذهب وعش هناك، سوف يتحسن عطاؤك ألف مرة». كان شوقي يقول: «لا أحد يهدد الشعر الفصيح سوى بيرم التونسي». وقد نفى الملك فؤاد هذا العبقري البائس إلى باريس، حيث اضطر إلى العمل مع الحمالين. وعاد محطمًا إلى مصر، كثير الأحزان العائلية، يكتب أرق الأغاني وأشجع الأشعار: «هو صحيح الهوا غلاب؟ ما عرفش أنا/ والهجر قالوا مرار وعذاب واليوم بسنة/ أهل الهوى وصفوا لي دواه/ لقيت دواه زوّد في أساه». إلى اللقاء..

مشاركة :