يلاحظ الناس بصورة عامة أن الثقافة هي القراءة والكتابة، ومؤهلات عليا، واقتناء كتب والتجول في معارض الكتاب، ولقاءات إعلامية، وحسابات جارية في مواقع التواصل الاجتماعي، والبعض الآخر خارج هذه الخصائص العامة بالكلية والافتراضات والاعتقادات، متفرغ للعمل من أجل الحياة ولقمة العيش فقط، والاجتهاد في مقاومة التغيير والتغاضي عن أهدافه ونتائجه. وبما أن هناك عدة مدارس مختلفة سأذكر بعضا منها، كمدرسة فرانكفورت، التي جمعت العديد من أسماء فلاسفة النقد، والأثر "الني تشوي" الذي كان له تأثير كبير على الحركة الفكرية في هذه المدرسة، أما المدارس التالية التي سأذكر الإيديولوجيات التي قامت عليها في الوطن العربي، فهي لا تحمل رؤية محددة أو نظرية مؤثرة في فضاء العالم الفسيح، باستثناء المدرسة الدينية التي كان لها أثر روحي عظيم في حياة الناس، مدرسة الفقهاء التي أنشأها أبو حامد الغزالي، ودرس بها حيناً من الزمن، ثم رحل إلى نيسابور ولازم إِمام الحرمين أبو المعالي الجويني إمام الشافعية في وقته، والذي زكاه علماء عصره، وأسس المدرسة النظامية. أما المدرسة الأولى فقد وثقت الفلسفة ونظرياتها العلمية والنسبية، والثانية وثقت الأسماء وكمّاً ضئيلاً من علوم هؤلاء العلماء وتركت الكتب الثرية بالعلوم كمخطوطات فقط، وقد قامت هذه المؤسسات الدينية بجهود علماء تلك الحقبة تحت مظلة تيار واحد، ثم مع تقادم الزمن تعددت تلك التيارات وحملت لواءها بعض الأسماء المعروفة في المجتمع بعضها سار على نهج حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وتفرعت منهم فصائل وأحزاب، وتفرقوا في الوطن العربي. بكل أهدافهم وقناعاتهم وسيطروا على التعليم والمنابر الإعلامية في السبعينيات والثمانينيات. وفي مطلع الحديث عن رؤى الناس والخطاب، حمل الفرد هموم العالم ولم يجد من يحمل همه سوى رجل الدين الذي ينتمي إلى تيار ما، فيأخذ بالناس وفقاً لهواه، يتميز بصيغة إنسانية، تحبذ تارة وترفض تارة أخرى، بكل آليات التفرد الذي يريده هذا الرجل المعاصر بعقلية الماضي، ويملي على الناس قواعد عقدية، وضوابط أخلاقية، على اعتبار أنها سلطة داخل سلطة، ثم يتعهد بخطب بلاغية وصور فنية جميلة تأسر العقول والقلوب، ولكن اختلاف القضايا والشواهد يرسخ مناهج تقود إلى حشد وتجييش الوعي، وتسخير الطاقات الكامنة إلى دلالات وتقسيم غير دقيق يعجز أحياناً على الفهم، وعن إقامة الحجة لكل الناس، وبالتالي لا تجد سوى ثلة من الناس تؤمن بتلك الحقائق فتعمل جاهدة على ترسيخ مقاومة التغيير والتطوير، وجهود خفية التأثير عكست ما ينتظره الفرد والمجتمع، ثم تكبر هذه المعوقات الفردية التي تعرقل التنمية، وتحجب منار الطرق إلى مستقبل منظم متكافئ. فلا تجد إلا علاقات متداخلة ومتشابكة. فالإعداد لم يكن جيداً يحمي أو يحقق المنطق عندما التبست نتائج تلك الخواص، لأن كثيراً يبحث عن استراتيجيات داخل البيئة الحاضنة، ويعمل على تهيئتها إلى تغيير يتفاوت بتفاوت الأزمنة، ولكن عندما تتفرع شرايين السياسة في جسد العالم تؤثر على الفقهاء والعدول والقضاة، فلا يلبث الفرد أن يعي فضلاً وعلماً شرعياً إلا ويعود حيثما كان، فلن تجد إلا تغييراً ظاهراً لا يتلاءم مع التكيف المطلوب وتظل المدرسة الدينية محور جدل، يلبس البعض أدواراً مزدوجة تؤدي إلى عزلة روحية رغم الظهور الكثيف. ومعطى فقير، فالعزلة الروحية والمعطى الضئيل ثنائية تتعارض مع أساس النظام الاجتماعي العصري.
مشاركة :